بعد القرن الأول الهجري. ومنها «الْبَاذِنْجَانُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ» ومنها «عَلَيْكُمْ بِالْعَدْسِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ يُرَقِّقُ الْقَلْبَ وَيُكْثِرُ الدَّمْعَةَ» قالوا: هذان حَدِيثًان باطلان لمخالفتهما للواقع المعروف في عالم الطب وتجربة الناس.
٦ - أما أنه هل هناك باعث سياسي للوضع؟ فقد رأيت أنهم نصوا على رواية ذوي المذاهب والأهواء المُتَعَصِّبِينَ، وبذلك رفضوا أحاديث غُلاَةِ الشِيعَةِ فِي عَلِيٍّ. وَغُلاَةِ البكرية في أبي بكر. وَغُلاَةِ العثمانية في عثمان، والمتعصبين للأمويين في بني أمية. والمتعصبين للعباسيين في بني العباس، وقد رأيت أنهم تنبهوا إلى أن الخلافات السياسية من أهم عوامل الوضع، فتتبعوا الأحاديث في ذلك ونقدوها نقداً شديداً. وكان ما قبلوه منها - بعد النقد والتمحيص - أقل بكثير مِمَّا رفضوه.
٧ - وأما أنه هل يتمشى الحديث مع البيئة التي قيل فيها أم لا؟
فقد نصوا على ذلك وَرَدُّوا من أجله أحاديث متعددة:
منها «رَمَدْتُ فَشَكَوْتُ إِلَى جِبْرِيلَ، فَقَالَ لِي: أَدِمْ النَّظَرَ إِلَى المُصْحَفِ». قالوا: لأنه لم يكن على عهد النَّبِيِّ مصحف حتى ينظر فيه.
٨ - وأما أنه هل هنالك باعث نْفسي يحمل على الوضع أم لا؟ فقد رأيت أنهم لم يُغفِلُوا ذلك، بل قالوا: قد يستفاد على الوضع من حال الراوي. ومثَّلُوا لذلك بحديث:«الهَرِيسَةُ تَشُدُّ الظَهْرَ» فإن راويه كان مِمَّنْ يصنع الهريسة. وحديث «مُعَلِّمُو صِبْيَانِكُمْ شِرَارُكُمْ ... إلخ» فإن راويه سعد بن طريف، قاله حين جاء إليه ابنه يبكي وأخبره أن معلمه ضربه.
فها أنت ترى أن كل ما زعم المؤلف استدراكه على علماء الحديث من قواعد في نقد المتن لم يغفلها علماؤنا بل نَصُّوا عليها وذهبوا إلى أبعد منها في وضع القواعد وبها رَدُّوا كثيراً من الأحاديث، ولو رجع المؤلف إلى كتب الموضوعات ودرس ما كتبه علماء المصطلح، وراجع معاجم الجرح والتعديل، لاعترف بأن هؤلاء العلماء كانوا أكثر منه حرصاً على مثل ما ذكره حتى لقد بلغت القواعد التي وضعوها للتعرف على وضع المتن أكثر من خمس عشرة قاعدة كما رأيت.