وبساطته في عصر النَّبِيّوالصحابة، وإدا رويت لهم بشارة من الرسول أو إخبار عن أمر يقع للمسلمين في المستقبل، قالوا: إن ظروف النَّبِيّلم تكن تسمح له أن يقول هذا القول.
وهكذا وقفوا من رسولنا - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - موقف المنكر لرسالته، المتشكك في صدق ما بلغ به عن الله، المُمَارِي في سمو روحه التي اتصلت بالملأ الأعلى، ففاض منها النور والحكمة والعلم والمعرفة، ولم يكتفوا بذلك بل حملوا على علمائنا لأنهم لم يقفوا منه هذا الموقف.
وعلماؤنا معذورون إن لم يتجهوا مع المُسْتَشْرِقِينَ في هذا الاتجاه الخاطىء، لأنهم يؤمنون بمحمد بن عبد الله رسولاً كريماً، أرسله الله إلى الناس أجمعين بشرع محكم، وسعادة شاملة للناس في دنياهم وآخرتهم.
أما أتباع المُسْتَشْرِقِينَ من المُسْلِمِينَ كمؤلف " فجر الإسلام " فمن المؤسف أنهم انساقوا في ذلك الاتجاه، ولم يفطنوا إلى خطأ تلك الطريقة وخطورتها والدس في الدعوة إليها. فأخذوا ينعون على علمائنا تقصيرهم في نقد المتن، غير مستمسكين من الحجج إلا بما أتى به المُسْتَشْرِقُونَ.
وها أنا لم أعثر في كل ما كتبه «أحمد أمين» في هذا الموضوع على رأي طريف لم يأخذه عن المُسْتَشْرِقِينَ، ثم أخذ يضرب هو وأمثاله على وتيرة تحكيم العقل، في نقد الأحاديث، ولا أدري أي عقل يريدون أن يحكموه ويعطوه من السلطة أكثر مِمَّا أعطاه علماؤنا في قواعدهم الدقيقة؟ ليس عندنا عقل واحد نقيس به الأمور، بل العقول متفاوتة، والمقاييس مختلفة، والمواهب متباينة، فما لا يعقله فلان ولايفهمه، قد يراه آخر معقولاً مفهوماً.
كما أن ما يخفى على الناس في بعض العصور حِكْمَتُهُ وَسِرُّ تشريعه، قد يتجلى لهم في عصر آخر معقول الحكمة واضح المعنى حين تتقدم العلوم وتنكشف أسرار الحياة، ففتح الباب في نقد المتن بناء على حكم العقل الذي لا نعرف له ضابطاً، والسير في ذلك بخطى واسعة على حسب رأي الناقد وهواه، أو اشتباهه الناشئ