للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاستفتيت عائشة وأم سلمة في المسألة نفسها فكلتاهما أفتت بصحة صومه، وقالت كان رسول الله يصبح جُنُباً ثم يصوم، فلما قيل ذلك لأبي هريرة رجع عن فتواه وقال: «هُمَا أَعْلَمُ مِنِّي»، فالواقعة واقعة فتوى، أفتى فيها كل بما علمه وصح عنده عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس فيه إنكار عائشة ولا رَدَّهَا عليه.

ولِنَسُقْ لك نص " مسلم " - رَحِمَهُ اللهُ - فقد أخرج بسنده إلى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، [يَقُصُّ]، يَقُولُ فِي قَصَصِهِ: «مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلاَ يَصُمْ»، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ (أَيْ لأَبِيهِ) فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَكِلْتَاهُمَا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، ثُمَّ يَصُومُ» قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى مَرْوَانَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلاَّ مَا ذَهَبْتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَدَدْتَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ: قَالَ: فَجِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ حَاضِرُ ذَلِكَ كُلِّهِ، قَالَ: فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَهُمَا قَالَتَاهُ لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هُمَا أَعْلَمُ، ثُمَّ رَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ.

هذا نص " مسلم " وهو صريح في عدم وقوع الإنكار والرد من عائشة على أبي هريرة، وقد صرح بذلك شارح " مسلَّم الثبوت " حيث قال بعد أن صَحَّحَ نقل المصنف بما نقله من " سفر السعادة ": «وليس في هذا رَدُّ أم المؤمنين على أبي هريرة، ولا يعرف له إسناد» ثم قال: وما في الحاشية: «من أن أم المؤمنين إنما رَدَّتْ لمخالفة الكتاب، فشجرة نبتت على الأصل الموهون، فإن الرَدَّ لم يثبت وإنما روت فعله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (١). اهـ.

فاقرأ هذا ثم اعجب من صنيع مؤلف " فجر الإسلام " إذ لم يكتف بالتغاضي


(١) " شرح مسلّم الثبوت ": ٢/ ١٧٥.