هريرة يترك بلاده وقبيلته وأرضه التي نشأ فيها ويترك ذلك كله بعيداً ليأتي إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليأكل ويشرب فقط؟! أكان أبو هريرة لايجد في قبيلته ما يأكل ويشرب؟ أكانت أرض دَوْسٍ وهي قبيلة عظيمة ذات شرف ومكانة، أرضاً مجدبة قاحلة ضاقت بأبي هريرة حتى لم يجد فيها طعامه وشرابه؟ ولِمَ جاء أبو هريرة إلى المدينة؟ أما وجد في تجارتها وزراعتها ما يأكل به ويشرب كما يأكل ويشرب التجار والزُرَّاع فيها؟ وهل نجد إلا عند المتسولين العالميين أن يهاجروا من بلادهم إلى بلاد نائية ليأكلوا ويشربوا؟ بل إنَّا لنجد عند هؤلاء ليس مجرد الرغبة في الأكل والشرب، بل وجمع الأموال وأَبُو رَيَّةَ لا يتهم أبا هريرة بأنه صحب الرسول لجمع الأموال، أفليس أبو هريرة في رأي أَبِي رَيَّةَ أحط شأناً من المتسولين العالميين (النَّوَر أو الغجر)؟ أهكذا يصل عمى البصيرة والحقد الأسود بصاحبه إلى هذا الدرك؟
٣ - ثم إن الرواية الصحيحة الثابتة في صحبته للنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليست هي كما أوردها أَبُو رَيَّةَ بل هي كما رواها " البخاري " في (كتاب البيوع): «وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مِلْءِ بَطْنِي» يقول ذلك في إيضاح كثرة روايته للحديث كما سبق.
ورواها مسلم أيضاًً في " صحيحه " في (فضائل الصحابة) يقول: «كُنْتُ رَجُلاً مِسْكِينًا، أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مِلْءِ بَطْنِي».
فلا ذِكْرَ للصُحبة هنا بل الملازمة والخدمة. ولم يكن ذلك في صدد الباعث له على صحبة النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما زعم «أَبُو رَيَّةَ» بل في صدد السبب الذي من أجله كان أكثر الصحابة حَدِيثًا. لقد كان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق في التجارة، وكان الأنصار أصحاب زرع تشغلهم زراعتهم، في حين أنه هو كان يلازم النَّبِيّويخدمه أينما ذهب، فأين يأتي زعم «أَبِي رَيَّةَ» بأنه كان صريحاً صادقاً في كشف سبب صُحْبَتِهِ للنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
٤ - ولم يكتف أَبُو رَيَّةَ بتحريف الكلم عن مواضعه بل زاد على ذلك أن لفظ «عَلَى مِلْءِ بَطْنِي» إنما هو للتعليل وأن ابن هشام ذكر