للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن معاني «على» هو التعليل كقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} أي لما هداكم (١).

وهذا افتراء اَخر ودليل اَخر على أنه لا يريد الحق وإنما يريد أن يتلمس الطريق إلى الحط من شأن أبي هريرة.

إن ابن هشام - رَحِمَهُ اللهُ - ذكر أن «عَلَى» تأتي على تسعة معان، إحداها التعليل، فلماذا تَعَيَّنَ عند «أَبِي رَيَّةَ» أن تكون لمعنى واحد من هذه المعاني التسع، مع أنها في قول أبي هريرة تصلح لأكثر تلك المعاني؟

وقد فهمها العلماء الذين أنار الله بصائرهم وَطَهَّرَ قلوبهم من الحقد على صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حقيقها دُونَ ما فهمه «أَبُو رَيَّةَ».

قال الإمام النووي في شرح قول أبي هريرة «" عَلَى مِلْءِ بَطْنِي " أي: ألازمه وأقنع بقوتي ولا أجمع مالاً لذخيرة ولا غيرها ولا أزيد على قوتي، والمُرَادُ من حيث حصول القوت من الوجوه المباحة، وليس هو من الخدمة بالأجرة» (٢) اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر: «" عَلَى مِلْءِ بَطْنِي " أي مقتنعاً بالقوت، أي فلم تكن له غيبة عنه» (٣).

وقال العلامة العَيْنِي: «" عَلَى مِلْءِ بَطْنِي ": أي مقتنعاً بالقوت» (٤).

وخلاصة القول إن أَبَا رَيَّةَ قد انكشف انكشافاً فاضحاً حين أراد أن يَتَّخِذَ من قصة إسلام أبي هريرة وملازمته له مجالاً للتشكيك في صدق إسلامه وإخلاصه في صُحْبَةِ النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حيث كانت تلك القصة وهذه الصُحْبَةُ من مفاخر أبي هريرة ومن أقوى الدلائل على حبه لله ولرسوله حباً خالصاً لا تشوبه شائبة من حب للدنيا أو رغبة في المال أو حرص على الجاه.


(١) [سورة البقرة، الآية: ١٨٥]. [" سيرة ابن هشام ": ص ١٥٤ هامش رقم ٥].
(٢) " شرح النووي على مسلم ": ١٦/ ٥٣.
(٣) " فتح الباري ": ٤/ ٢٣١.
(٤) " عمدة القاري ": ٥/ ٣٩٤.