للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتابه " وجهة الإسلام " ويقصد بذلك أن العقلية الإسلامية تدرك الأمور بواسطة الجزئيات ولا تدركها إدراكاً كلياً.

وهم لم يحكموا بذلك إلا على ضوء ما رأوه بأعينهم من ضعف الشعوب التي استعمروها وما سادها من جهل وما شملها من تأخر في كل نواحي الحياة.

فلما بدأ اتصالنا بالحضارة الغربية في أوائل هذا القرن، وانتشرت الثقافة بيننا، لم يجد المثقفون - من غير علماء الشريعة - أمامهم طريقا مُمَهَّدًا للحديث عن تراثنا المبعثر في كتب قديمة غير منظمة تنظيماً يتفق وتنظيم الكتب العلمية عند الغَرْبِيِّينَ، إلا كُتُبَ المُسْتَشْرِقِينَ الذين أفنوا أعمارهم في دراسة ثقافتنا وتتبع مصادرها في خزائن الكتب العامة عندهم، حتى ليظل أحدهم عِشْرِينَ عَامًا في تأليف كتاب من ناحية من نواحي ثقافتنا، يرجع فيه إلى كل ما وصلت إليه يده من مصادر قديمة من كتب علمائنا الأولين.

وبهذا الدأب المتواصل عند علمائهم، والتفرغ الكامل له، والرغبة الاستعمارية والدينية التي ألمحت إليها، استطاعوا أن ينظموا الحديث عن ثقافتنا تنظيما بهر أبصار «مُثَقَّفِينَا» واستولى على ألبابهم، وخاصة عندما قارنوا بين أسلوبهم وبين أسلوب كتبنا العلمية القديمة، فاندفعوا إلى الاقتباس من كُتُبِ المُسْتَشْرِقِينَ معجبين بعلمهم وسعة اطلاعهم، ظانين أنهم لا يقولون إلا الحق، وأنهم - فيما خالفوا فيه الحقائق المقررة عندنا - أصح حُكْمًا، وأصوب رأياً، لأنهم يسيرون وفق منهج علمي دقيق لا يحيدون عنه.

ومن هنا نشأت الثقة ببحوث هؤلاء الغَرْبِيِّينَ والاعتماد على آرائهم.

ولم يتح لهؤلاء المثقفين أن يرجعوا إلى المصادر الإسلامية التي استقى منها المُسْتَشْرِقُونَ وغيرهم من الباحثين الغَرْبِيِّينَ، إما لصعوبة الرجوع إلى مصادرنا، أو للرغبة في سرعة الإنتاج العلمي، أو لشهوة الإتيان بحقائق مخالفة لما هو سائد في أوساطنا العلمية والدينية وغيرها.

وكانت فترة من الزمان طغى علينا هذا الشعور بالنقص والضعف وعدم الثقة بأنفسنا إزاء الباحثين الغَرْبِيِّينَ، وإعظامهم وإكبارهم وعدم سوء الظن بهم، حتى