للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كبار تلاميذه وقدمائهم ما لا يشكون معه في صدق ما يُحَدِّثُهُمْ به متأخرهم صحبة وتلمذة. فأي غرابة في هذا الوضوع؟ المُهِمُّ عندنا هو الصدق، وصدق أبي هريرة لم يكن محل شك عند إخوانه من الصحابة ولا عند معاصريه وتلاميذه من التَّابِعِينَ، هذا هو حكم التاريخ الصحيح الصادق، وكل ما يحكيه أَبُو رَيَّةَ من تكذيب بعض الصحابة أو شَكِّهِمْ فِي (صِدْقِهِ) فَكَذِبٌ مَفْضُوحٌ مُسْتَقًى من كتب يستحي طالب العلم أَنْ يَدَّعِي أنها «مصادر علمية» فكيف بمن يَدَّعِي أنها لا يرقى إليها الشك ولا يتطرق إليها الوهن؟

وإليك كشف الستار بإيجاز عن حقيقة ما زعمه في ذلك (١).

١ - زعم أن عمر ضربه بِالدِّرَّةِ وقال له: «أكثرت يا أبا هريرة من الرواية وَأحْرِ بِكَ أن تكون كاذباً على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».

ونحن نَتَحدَّاهُ أَنْ يُثْبِتَ هذا الخبر من كتاب علمي محترم إلا أن يكون من تلك الكتب الأدبية الي تروي التالف والساقط من الأخبار، أوتلك الكتب الشيعية التي عرفت ببغض أبي هريرة والافتراء عليه، وليس لهذه الكتب قيمة علمية عند من يشم رائحة العلم.

على أنه كثير الإحالة إلى الكتب التي ينقل عنها - ولو كانت نقوله مُحَرَّفَةً كما يتأكد ذلك لمن يطالع كتابه - ومع ذلك فهذا الخبر لم يسنده إلى كتاب (٢) فلماذا؟

٢ - وزعم أن عمر تَهَدَّدَهُ بالنفي إلى بلاده أو إلى أرض القردة إن استمر يُحَدِّثُ عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وزعم أن ذلك منقول عن ابن عساكر وابن كثير.


(١) لقد اشتدت بنا العلة أثناء كتابة هذا البحث من حيث اشتد إلحاح الناشر في إرسال هذا البحث لإتمام طبع الكتاب فلم نر بُداً من الإيجاز على أن نفرد لأبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كتاباً مستقلاً نتعقب فيه ونمحص أقاويل هؤلاء الطاعنين ونبين تهافتها وتجرُّدها من القيمة العلمية إن شاء الله.
(٢) يظهر أنه منقول عن الإسكافي كما نقله ابن أبي الحديد في "شرحه لنهج البلاغة " ١/ ٣٦٠ وكفى بهما حُجة عند أَبِي رَيَّةَ.