للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما نَهْيُ عمر عن التحديث، فلم يكن خَاصًّاً بأبي هريرة، ولم يثبت أنه هَدَّدَهُ بالنفي إلى بلاده لأن ذلك - في ذلك العصر- غير جائز، وقد حكينا صنيع عمر ورأيه في كتابة الحديث وروايته في صدر هذا الكتاب.

وأما قول عمر لأبي هريرة: «لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ القِرَدَةِ». فذلك دَسٌّ من أَبِي رَيَّةَ وعبارة ابن كثير: وقال - عمر- لكعب الأحبار: «لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيثَ (عَنْ الأُوَلِ) أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ القِرَدَةِ» (١) فهو تهديد من عمر لكعب الأحبار ترك الحديث عن بني إسرائيل وأخبارهم لا تهديد لأبي هريرة بترك الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

على أن ابن كثير بعد أن ذكر نَهْيَ عمر لأبي هريرة عن التحديث قال: «وَهَذَا مَحْمُولٌ مِنْ عُمَرَ عَلَىَ أَنَّهُ خَشِيَ مِنَ الأَحَادِيْثِ التِي قَدْ تَضَعُهَا النَّاسُ عَلَىَ غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، وَأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ عَلَىَ مَا فِيهَا مِنْ أَحَادِيثِ الرُّخَصِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَكْثَرَ مِنَ الحَدِيثِ رُبَّمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثِهِ بَعْضُ الغَلَطِ أَوِ الخَطَإِ فَيَحْمِلُهَا النَّاسُ عَنْهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَدْ جَاءَ أَنَّ عُمَرَ أَذِنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي التَّحْدِيثِ»، وذكر ابن الأثير بعد ذلك ما يؤيد هذا (٢).

فهذا هو حقيقة موقف عمر لا كما شَوَّهَهُ «المُحَقِّقُ العِلْمِيُّ» أَبُو رَيَّةَ!.

٣ - وزعم أَبُو رَيَّةَ أن الصحابة اتهموا أبا هريرة بالكذب وأنكروا عليه وَمِمَّنْ أنكر عليه عائشة، وَمِمَّنْ كَذَّبَهُ أبو بكر وعمر وعثمان وعَلِيٌّ ... ثم زعم أَبُو رَيَّةَ أن قائل هذا القول هو ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " (٣).

وقد كَذَبَ أَبُو رَيَّةَ في نسبة هذا القول الفظيع إلى ابن قتيبة، وإنما يحكيه ابن قتيبة عن النظام وأمثاله ثم يَكُرُّ عليهم بالرد والتفنيد ويدافع عن أبي هريرة دفاعاً مجيداً. ومن حسن الحظ أن أَبَا رَيَّةَ ليس وحده الذي ينفرد بنسخة من كتاب " تأويل مختلف الحديث " حتى يستطيع أن يكذب على ابن قتيبة وينسب


(١) " البداية والنهاية ": ٨/ ١٠٨.
(٢) ص ٤٨.
(٣) ص ٤٨.