إليه ما نسبه ابن قتيبة إلى النظام، ولكن الكتاب مطبوع متداول في أيدي العلماء، فهل تبلغ الجرأة بأحد مِمَّنْ ينتسب إلى العلم أن يكذب هذا الكتاب المفضوح ثم يزعم أنه جاء من التحقيق العلمي «ما لم ينسج أحد على منواله» وحقا إن أحداً لم يسبق أَبَا رَيَّةَ في مثل هذا الكذب وتحريف النصوص حتى المُسْتَشْرِقِينَ أنفسهم.
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
إنا نَتَحَدَّاهُ وَنَتَحَدَّى كُلَّ مَنْ يَتَجَرَّأُ على أبي هريرة أن يثبت لنا نصاً تاريخياً موثوقاً بصحته أن أبا بكر أو عمر أو عثمان أو عَلِيّاً أو عائشة أو أحداً من الصحابة نسب إلى أبي هريرة الكذب في حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وستنقطع أعناق هؤلاء الحاقدين دُونَ العثور على نص من هذا القبيل ويأبى الله لهم ذلك.
أما إن كانت النصوص من كتابٍ كـ "عيون الأخبار "، و"بدائع الزهور "، وَرُوَّاةٍ كابن أبي الحديد والاسكافي، ومتهمين كَالنَظَّامِ وأمثاله .. فهيهات أن يكون ميدان هذه الكتب وهؤلاء الرُوَاةِ وهؤلاء الطاعنين هو ميدان العلم والعلماء! ..
إن عائشة كانت «تَسْتَغْرِبُ» من أبي هريرة بعض الأحاديث لأنها لم تعلم بها، فكان يجيبها أحياناً بأنها كانت تلازم البيت وتشتغل بالزينة بينما كان هو يدور مع رسول الله ويلازمه ويسمع حديثه، فلم يسعها إلا أن تعترف بذلك وتقول:«لَعَلَّهُ» وهذا أدب من أم الؤمنين واعتراف بالحق لأهله وفضيلة حُرِمَ مِنْهَا أَبُو رَيَّةَ وأمثاله.
واعتراض عائشة على أبي هريرة بقضية «المهراس» حَقَّقْنَا القول في أنها ليست هي التي اعترضت، وإنما هو رجل يقال له:«قين الأشجعي» من أصحاب عبد الله بن مسعود.
واعتراضها عليه في حديث صوم الجُنُبِ واعترافه بأنها أعلم بما كان من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في البيت مع نسائه فهذا هو أيضاً فضيلة لأبي هريرة حيث اعترف بالحق لأهله - وقد حُرِمَ هذه الفضيلة أَبُو رَيَّةَ - على أَنَّ أبا هريرة كان يروي حَدِيثًا فَبَيَّنَ أنه سمعه من صحابي آخر- وقد قدمنا القول في ذلك - وبقول أبي هريرة قال عدد من فقهاء التَّابِعِينَ وَالمُجْتَهِدِينَ رغم قول عائشة وَتَعَقُّبِهَا.