للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«داره» بالعقيق (١) و «الدار»، لا تدل على ثراء ولا على سعة، فلقد كان لأكثر الصحابة، بل لكل صحابي دار، وما جرؤ أحد أن يقول: أنهم كانت لهم «قصور»! .. نعوذ بالله من تحريف الكلم عن مواضعه.

سادساً - لم يكد يمضي عصر الصحابة وكبار التَّابِعِينَ حتى كانت أحاديث أبي هريرة محل عناية أئمة الحديث، ينقدونها، فَيُبَيِّنُونَ ما صَحَّ منها، وينفون ما لم يصح، ويذكرون ما فيه ضعف أو وَهَنٍ، واحتلت أحاديث أبي هريرة الصحيحة صدور مُدَوَّنَاتِ السُنَّةِ ومسانيدها، لم يشذ عن ذلك أحد قبل أن يأتي النَظَّامُ وَالإِسْكَافِي ومن معهما من شيوخ المعتزلة، وَالإِسْكَافِي ومن سبقه من شيوخ الشِيعَةِ.

سابعاً - وكانت أحاديث أبي هريرة التي صحت عنه محل عناية الفقهاء وأئمة الاجتهاد في مختلف أمصار الإسلام، إذا صح الحديث منها لم يكن لأحد كلام معه إلا ما روي عن إبراهيم النخعي وبعض علماء الكوفة من شيوخ مدرسة الرأي الذين لهم شروط معروفة في الأخذ بأحاديث الآحاد، ولم يوافقهم على ذلك جمهور فقهاء الأمصار، حتى أبو حنيفة الذي توجت به مدرسة العراق لم يصح عنه أنه وقف من أحاديث أبي هريرة موقف إبراهيم النخعي ومن سار على رأيه، بل يعمل بها متى صحت واستوفت شرائط الصحة عنده - وهي شروط مبعثها الاجتهاد والاحتياط في أمر الرُوَاةِ غير الصحابة لا في أمر واحد من الصحابة، ومن زعم غير ذلك فهو مفترٍ كَذَّابٌ، يُكَذِّبُهُ مذهب أبي حنيفة نفسه وهو مُدَوَّنٌ مشهور.

ثامناً - كان أول من أظهر الطعن بأبي هريرة بعض شيوخ المعتزلة كالنظَّام، ولهم موقف من أكثر صحابة الرسول، لا من أبي هريرة وحده، ولهم موقف مِنَ السُنَّةِ استباحوا به أن يُكَذِّبُوا بعض الأحاديث الصحيحة الثابتة عند الجمهور، وإنما أتوا من سلطان الفلسفة اليونانية على عقولهم حيث قاسوا بها الدين، وكل ما ورد منه، ولولا الخوف من الجماهير لنقدوا القرآن نفسه. فإن فيه ما لا تستسيغه


(١) " البداية والنهاية ": ٨/ ١١٤.