للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن من المُسَلَّمِ به عند علمائنا «غَيْرَ المُحَقِّقِينَ» تحقيق «أَبِي رَيَّةَ» أن علم الحديث لا يؤخذ من كتب الفقه، وعلم التفسير لا يؤخذ من كتب اللغة، لأن كل علم له مصادره التي يعرف منها حقائقه وقضاياه.

ومن المُسَلَّمِ به في علم التاريخ الحديث أن حقائقه لا تؤخذ إلا من مصادر التاريخ الثابتة الموثوقة، فمن استمد وقائعه من مصادر غير موثوقة، لم يكن لبحثه أية قيمة علمية، ولا لمن يفعل ذلك مكان بين العلماء المحترمين.

فماذا نقول عن «أَبِي رَيَّةَ» الذي أخذ يخوض في موضوع خطير جد الخطورة ويهدم رجلاً له في تاريخ السُنّةِ خلال أربعة عشر قرناً، وعند مئات ألوف الملايين منذ عصر الصحابة حتى عصرنا هذا، مكانة مرموقة هي عنوان التقدير والثقة والاحترام!! ثم يعتمد «أَبُو رَيَّةَ» في بحثه الخطير هذا وفي هجومه الكبير كُتُباً، ككتاب " ثمار القلوب " للثعالبي و" مقامات " بديع الزمان الهمذاني وأسانيد تالفة في كتاب " الحِلْيَةِ " لأبي نعيم، وهو الكتاب الذي ألفه لرجال التصوف والزهد من رجال الإسلام، وفي سنده ما هو غير صحيح، وَلَمْ يَدَّعِ - رَحِمَهُ اللهُ - أنه ألفه ليكون مرجعاً في تاريخ الرجال، ومن قرأه وتتبع أسانيده، علم صحة ما نقول.

ماذا نقول عن صنيع «أَبِي رَيَّةَ» هذا؟ إن كان يعلم أن هذا صنيع غير المُحَقِّقِينَ، فقد وضع نفسه بينهم، وإن كان لا يعلم، فقد حكم بنفسه على قيمة تحقيقه «العلمي» الذي لم يقم به أحد من المُسْلِمِينَ منذ ألف سَنَةٍ!؟

تلك هي حقيقة المصادر التي خرج منها «أَبُو رَيَّةَ» برأيه الذي يخالف آراء جمهور العلماء وَالمُحَدِّثِينَ. وما عدا ذلك من المصادر الموثوقة التي ذكرناها في «ثبت» مراجعه فقد بَيَنَّا فيما سبق طريقته في تحريف النصوص وإيرادها في غير مواردها وتحميلها ما لم يرده قائلوها، وتلك براعة لا يحسد عليها، وخصلة لا يمدح فاعلها، وأقل ما يقال فيه: إنه «دَلَّسَ» عَلَى القُرَّاءِ. مَنْ دَلَّسَ ولو مرة واحدة لا يُقبل قوله كما زعم في نقله عن الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ -.