للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَتَرَاءَىَ لِبَعْضِ الفُضَلاَءِ أَنَّ مِنَ العَارِ أَنْ يُفَكِّرُ فِي أُورُوبَا الْنَّصْرَانِيَّةِ مَدِيْنَةُ فِيْ خُرُوْجِهَا مِنْ دُوْرِ الْتَوَحُّشِ لِأُوْلَئِكَ الْكَافِرِيْنَ (أُيِّ المُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ الْغَرْبِيُّونَ يُلَقِبُّونَهُمْ) فَعَارٌ ظَاهِرٌ كَهَذَا، لاَ يُقْبَلُ إِلاَّ بِصُعُوَبَةٍ».

ثم ذكر في هامش هذا الكلام مثلاً لالتقاء الأوهام الموروثة مع الثقافة في العالم الفاضل فيضطرب في حكمه على الأشياء، بالخطبة التي ألقاها مسيو «رِينَانْ» في «السوربون» عن الإسلام (١). فقد اضطرب فيها بين الاعتراف بفضل العرب في تقدم العلوم ستمائة سَنَةٍ، وبين زعمه بأن الإسلام اضطهد العلم والفلسفة وقضى على الروح في البلاد التي دانت له، وأمثلة من هذه المتناقضات في خطابه الذي ختمه «رينان» بقوله: «إِنَّنِي لَمْ أَدْخُلْ مَسْجِدًا مِنْ غَيْرِ أَنْ اهْتَزَّ خَاشِعًا أَوْ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنَ الحَسْرَةِ عَلَى أَنَّنِي لَسْتُ مُسْلِمًا» (٢).

وأما «الحكايات» التي نقلها أَبُو رَيَّةَ من بعض كتب الأدب، فهي أغرب ما رأيناه في دعوى «التحقيق العلمي».

إن «أَبَا رَيَّةَ» يرفض كل ما رواه أئمة الحديث المُتَثَبِّتُونَ وأئمة الفقه المجتهدون، من حقائق لا تعجبه، ثم يأتي إلى كتب لم تؤلف لتاريخ الرجال، ولم تصنف للتحقيق في سيرتهم وأحوالهم، وإنما ألفت لجمع النوادر والحكايات التي يتفكه بها الناس في مجالسهم، ويتزيدون بما شاءت لهم أهواؤهم وخيالاتهم. يأتي إلى هذه الكتب فيستخرج من «حكاياتها» الأدلة والشواهد لدعوى خطيرة تذهب بكيان السُنّةِ كلها إن صحت.

فهل هذا هو سبيل التحقيق العلمي إلا أن يكون على سُنَّةِ جولدتسيهر الذي يُكَذِّبُ ما جاء في " موطأ مالك "، ويؤيد ما جاء في " حياة الحيوان " للدميري؟!.


(١) وهي التي رَدَّ عليها في وقتها الإمام «محمد عبده» - رَحِمَهُ اللهُ -، رَدَّهُ المشهور.
(٢) " حضارة العرب "، ترجمة الأديب الكبير الأستاذ «عادل زعيتر» - رَحِمَهُ اللهُ -. ص ٦٨٨ - ٦٩٠ من الطبعة الثانية.