للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما ما استند إليه في ذلك من كلام الإمام محمد عبده، وتلميذه السيد رشيد رضا - رَحِمَهُمَا اللهُ -، فلنا رأي لاَ نُلْزِمُ به أحداً، ولا ينتقص من قدرهما وجهادهما في شيء.

أما الشيخ محمد عبده - رَحِمَهُ اللهُ - فلا شك أنه كان من أكبر رُوَّادِ الإصلاح في عصرنا الحديث، وأنه كان في عصره فيلسوف الإسلام ولسانه الناطق وعقله المفكر وسلاحه الذائد عن حماه كل عدو وكل مُفتَرٍ مِنَ الغَرْبِيِّينَ وخاصة المُسْتَعْمِرِينَ منهم، ونوره المشرق تجاه الجمود الذي ران على العالم الإسلامي من مئات السنين.

ولكنه - مع هذا - كان قليل البضاعة من الحديث، وكان يرى في الاعتماد على المنطق والبرهان العَقْلِيَيْنِ خير سلاح للدفاع عن الإسلام، ومن هذين العاملين، وقعت له آراء في السُنَّةِ وَرُوَّاتِهَا وفي العمل بالحديث والاعتداد به، ما صح أن يتخذه مثل «أَبِي رَيَّةَ» تكأة يتكئ عليها، ليخرج على المُسْلِمِينَ بمثل الآراء التي خرج بها.

أما السيد رشيد رضا - رَحِمَهُ اللهُ - فيظهر أنه كان أول أمره متأثراً بوجهة أستاذه الشيخ محمد عبده - رَحِمَهُ اللهُ -، وكان مثله في أول الأمر قليل البضاعة من الحديث قليل المعرفة بعلومه، ولكنه منذ استلم لواء الإصلاح بعد وفاة الإمام محمد عبده، وأخذ يخوض غمار الميادين الفقهية والحديثية وغيرهما وأصبح مرجع المُسْلِمِينَ في أنحاء العالم في كل ما يعرض لهم من مشكلات، كثرت بضاعته من الحديث وخبرته بعلومه حتى غدا آخر الآمر حَامِلَ لِوَاءِ السُنَّةِ، وأبرز أعلامها في مصر خاصة، نظراً لما كان عليه علماء الأزهر من إهمال لِكُتُبِ السُنّةِ وعلومها، وتبحرهم في المذاهب الفقهية والكلامية واللغوية وغيرها.

لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ - رَحِمَهُ اللهُ - في آخر حياته، وكنت أتردد على بيته، فأستفيد من علمه وفهمه للشريعة ودفاعه عن السُنَّةِ ما أجد من حق تاريخه عَلَيَّ أن أشهد بأنه كان من أشد العلماء أَخْذًا بِالسُنَّةِ (القَوْلِيَّةِ) وإنكاراً لما يخالفها في المذاهب الفقهية. وإني على ثقة بأنه لو كان حَيًّا حين أصدر «أَبُو رَيَّةَ» كتابه، لكان أول من يَرُدُّ عليه في أكثر من موضع في ذلك الكتاب.