ثم جمع أكثر هذه المسانيد قاضي القضاة أبو المؤيد محمد بن محمود الخوارزمي، المُتَوَفَّى سَنَةَ (٦٦٥ هـ) في كتاب ضخم سماه "جامع المسانيد "، رتبه على أبواب الفقه، مع حذف المُعَادِ وعدم تكرير الإسناد، قال في خطبته: «وَقَدْ سَمِعْتُ فِي الشَّامِ عَنْ بَعْضِ الجَاهِلِيَنَ بِمِقْدَارِهِ - أَيُّ بِمِقْدَارٍ أَبِي حَنِيفَةَ - مَا يُنْقِصُهُ وَيَسْتَصْغِرُهُ، وَيَنْسِبَهُ لِقِلَّةِ الحَدِيثِ، وَيْسْتَدِلُّ عَلَىَ ذَلِكَ بِـ " مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ "، وَ " مُوَطَّأِ مَالِكٍ " وَزَعَمَ أَنْ لَيْسَ لأَبِي حَنِيفَةَ مُسْنَدٌ، وَكَانَ لاَ يَرْوِي إِلاَّ عِدَّةَ أَحَادِيثَ، فَلَحِقَتْنِي حَمِيَّةٌ دِينِيَّةٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ مَسَانِيدِهِ التِي جَمَعَهَا لَهُ فُحُولِ عُلَمَاءِ الحَدِيثِ.» الخ وهو كتاب مطبوع يقع في ٨٠٠ صفحة. وَمِمَّنْ روى هذه المسانيد قراءة وسماعاً وكتابةً، مُحَدِّثُ الديار الشامية الحافظ شمس الدين بن طولون في " الفهرست الأوسط " وَمُحَدِّثُ البلاد المصرية الحافظ محمد بن يوسف الصالحاني، وقد قال في كتابه:" عقود الجمان ": «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ كِبَارِ حُفَّاظِ الحَدِيثِ وَأَعْيَانِهِمْ، وَلَوْلاَ كَثْرَةُ اعْتِنَائِهِ بِالحَدِيثِ مَا تَهَيَّأَ لَهُ اسْتِنْبَاطِ مَسَائِلِ الفِقْهِ. وَذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي " طَبَقَاتِ الحُفَّاظِ " وَلَقَدْ أَصَابَ وَأَجَادَ»، ثم قال في الباب الثالث والعشرين من "عقود الجمان ": «إِنَّمَا قَلَّتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُتَّسِعَ الحِفْظِ، لاشْتِغَالِهِ بِالاسْتِنْبَاطِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَرْوِ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِِّ إِلاَّ القَلِيْلَ بِالنِّسْبَةِ إِلَىَ مَا سَمِعَاهُ لِلْسَّبَبِ نَفْسِهِ، كَمَا قَلَّتْ رِوَايَةِ أَمْثَالَ أَبِيْ بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ كِبَارِ الْصَّحَابَةِ - رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُمْ - بِالنِّسْبَةِ إِلَىَ كَثْرَةِ اطِّلاَعِهِمْ، وَقَدْ كَثُرَتْ رِوَايَةَ مَنْ دُونَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ» ثم ساق أخباراً تدل على كثرة ما عند أبي حنيفة من الحديث، ثم أطال النفس في سرد أسانيده في رواية مسانيد أبي حنيفة السبعة عشر لجامعيها - وذكر أسماءهم - تدليلاً على كثرة حديثه، وكذلك الشمس الحافظ ابن طولون إذ ساق أسانيد تلك المسانيد السبعة عشر أيضاًً في " الفهرست الأوسط "، بل كان الخطيب حينما رحل إلى دمشق استصحب معه " مسند أبي حنيفة للدارقطني "، و" مسنده لابن شاهين "، و" مسنده للخطيب " نفسه، وهذه غير تلك المسانيد السبعة عشر.
وذكر البدر العيني في " تاريخه الكبير ": أن " مسند أبي حنيفة لابن عقدة " يحتوي وحده على ما يزيد على ألف حديث، وهو أيضاًً غير تلك المسانيد.