من الأحاديث فبلغت مائة وخمسة وعشرين مسألة، فلو سلم لابن أبي شيبة جميع ما أخذه على أبي حنيفة كانت بقية المسائل التي أثرت عنه موافقة للحديث في كل مسألة ورد فيها حديث، وإذا كانت مسائل أبي حنيفة على أقل تقدير ثلاثاً وثمانين ألف مسألة - وهنالك روايات تبلغ العدد إلى ألف ألف ومائتي ألف - فهل هذا العدد الضخم الباقي من المسائل التي يعترف ابن أبي شيبة أن أبا حنيفة لم يخالف فيها السُنَّةَ، جاءت فيها سُنَّةٌ أم لا؟ فإن جاءت فيها أو في بعضها سُنَّةٌ لزم ذلك أن يكون ما عند أبي حنيفة من الحديث مئات وآلاف، وإن لم يجيء في شيء منها سُنَّةٌ، لزم أن يكون ما ورد مِنَ السُنَّةِ لا يزيد على مائة وخمسة وعشرين حَدِيثًا فقط ولا يقول هذا أحد من أئمة المُسْلِمِينَ وأهل العلم بالحديث.
٤ - إن أبا حنيفة مِمَّنْ تُذْكَرُ آراؤهم في مصطلح الحديث، فكيف يكون قليل البضاعة فيه، ثم يعتبر عند علماء ذلك الفن من الأئمة الذين تُدَوَّنُ آراؤهم في قواعد الحديث ورجاله، ويعتمد مذهبه بينهم وَيُعَوَّلُ عليه رَدًّا أو قبولا؟.
٥ - لقد كتب أبو حنيفة عن أربعة آلاف شيخ، حتى عَدَّهُ الذهبي في " تذكرته " التي هي ثبت الحفاظ، وَحَدَّثَ عَنْهُ يحيى بن نصر فقال: «دَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي بَيْتٍ مَمْلُوءٍ كُتُبًا، فَقُلْتُ لَهُ:" مَا هَذَا؟ "، فَقَالَ:" هَذِهِ الأَحَادِيثُ مَا حَدَّثَ مِنْهَا إِلاَّ اليَسِيرَ الذِي يُنْتَفَعُ بِهِ "».
٦ - إن أبا حنيفة وإن لم يجلس للتحديث كعادة المُحَدِّثِينَ، وإن لم يُصَنِّفْ في الأخبار والآثار كما ألف مالك، إلا أن تلاميذه جمعوا أحاديثه في كتب ومسانيد بلغت بضعة عشر مسنداً.
وأشهر هذه المصنفات والمسانيد كتاب " الآثار " لأبي يوسف وكتاب " الآثار المرفوعة " لمحمد، وكتاب " الآثار المرفوعة والموقوفة " له، و" مسند الحسن بن زياد اللُؤْلُؤِي "، و" مسند حمَّاد بن الإمام أبي حنيفة " ومِمَّنْ صنَّف في مسانيده: الوهبي، والحارثي البخاري، وابن المظفر، ومحمد بن جعفر العَدْل، وأبو نعيم الأصبهاني، والقاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، وابن أبي العوام السعدي، وابن خسرو البلخي.