للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى ابن عبد البر في " الانتقاء " عن أبي حنيفة قوله: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ يُخَالِفُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ أَكْرَمَنَا اللهُ وَبِهِ اسْتَنْقَذَنَا».

وأخرج البيهقي في " المدخل " عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: «سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: " إِذَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ، وَإِذَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَخْتَارُ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَإِذَا جَاءَ عَنِ التَّابِعِينَ زَاحَمْنَاهُمْ "» (١).

وأخرج ابن عبد البر عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ الْحَسَنِ: «الْعِلْمُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: مَا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ النَّاطِقِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَمَا كَانَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَأْثُورَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَمَا كَانَ فِيمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَكَذَلِكَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لاَ يَخْرُجُ عَنْ [جَمِيعِهِ]، فَإِذَا وَقَعَ الاخْتِيَارُ فِيهِ عَلَى قَوْلٍ فَهُوَ عِلْمٌ [يُقَاسُ] عَلَيْهِ مَا أَشْبَهَهُ، وَمَا اسْتَحَسَنَهُ [عَامَّةُ فُقَهَاءِ] المُسْلِمِينَ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَكَانَ نَظَيرًا لَهُ. [قَالَ]: «وَلاَ يَخْرُجُ الْعِلْمُ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الأَرْبَعَةِ» (٢).

وذكر الشعراني في " الميزان " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ - «كَذَبَ وَاللهِ وَافْتَرَى عَلَيْنَا مِنَ يَقُولُ: إِنَّنَا نُقَدِّمُ القِيَاسَ عَلَى النَصِّ، وَهَلْ يَحْتَاجُ بَعْدَ النَصِّ إِلَىَ قِيَاسِ؟» وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُ أَيْضًا «نَحْنُ لاَ نَقِيسُ إِلاَّ عِنْدَ الضََّرُورَةِ الشَّدِيدَةِ، وَذَلِكَ أَنَّنَا نَنْظُرُ فِي دَلِيلِ المَسْأَلَةِ مَنَ الكِتَابِ وَالَسُنَّةِ أَوْ أَقْضِيَةِ الصَّحَابَةِ فَإِنْ لَمْ نَجِدْ دَلِيلاً قِسْنَا حِينَئِذٍ مَسْكُوتًا عَنْهُ عَلَىَ مَنْطُوقٍ بِهِ» وَذُكِرَ عَنْهُ أَيْضًا: «أَنَّنَا نَأْخُذُ أَوَّلاً بِكِتَابِ اللهِ ثُمَّ بِالسُّنَّةِ ثُمَّ بِأَقْضِيَةِ الصَّحَابَةِ وَنَعْمَلُ بِمَا يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ، فَإِنْ اخْتَلَفُوَا قِسْنَا حُكْمًا عَلَىَ حُكْمٍ بِجَامِعِ العِلَّةِ بَيْنَ المَسْأَلَتَيْنِ حَتَّى يَتَّضِحَ المَعْنَى» وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا «مَاجَاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ بِأَبِي وَأُمِّي وَلَيْسَ لَنَا مُخَالَفَتُهُ، وَمَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِهِ تَخَيَّرْنَا، وَمَا جَاءَ عَنْ غَيْرِهِمْ، فَهُمْ رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالُ» (٣).


(١) " مفتاح الجنة ": ص ٣١ ولعل هذا لأنه تابعي صح أنه رأى أربعة من الصحابة أوأكثر.
(٢) " جامع بيان العلم ": ٢/ ٣٦ وقد ذكرها السرخسي في " أصوله " وجعل الرابع: وما رآه المُسْلِمُونَ حسناً وما أشبهه: ١/ ٣١٨.
(٣) هذه النصوص عن الشعراني في " ميزانه ": ١/ ٥١ وما بعدها.