وقد ذكر الإمام محمد - رَحِمَهُ اللهُ - في " المبسوط " فصلاً للأخذ بخبر الآحاد، واستدل لذلك بطائفة من أخبار الرسول وعمل الصحابة، وهي التي ساقها الشافعي في " الرسالة ".
هذه شذرة من النصوص الكثيرة التي تدل على أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ - ما كان يقدم على الحديث الصحيح رأياً أياً كان، بل نجد مثل ابن حزم ينقل عن فقهاء العراق إجماعهم على أن الحديث الضعيف يُرَجَّحُ على القياس.
قلت: ولا يلزم من أن تكون الأحاديث التي ذهب إليها أبو حنيفة ضعيفة عند المُحَدِّثِينَ ولو بالمعنى الذي أرادء السلف، أن تكون كذلك عند أبي حنيفة، بل لا بد أن تكون صحيحة عنده بناء على أصوله العامة، والأنظار في مثل هذا قد تختلف، وما يُصَحِّحُهُ إمام، قد لا يكون كذلك عند إمام آخر.
وأياً ما كان فإن اعتراف مثل ابن حزم وابن القيم، وهما من أكبر من يَرُدُّ على الحَنَفِيَّةِ، بأن مذهب أبي حنيفة تقديم الخبر الضعيف على القياس مفيد فيما نحن بصدده، وأيضاًً فقد قدمنا لك أن مذهب أبي حنيفة قبول المراسيل وتقديمها على القياس عنده، بينما الشافعي لا يقبله إلا بشروط، وَالمُحَدِّثُونَ جميعاً يرفضونه، ولا شك أن مذهب أبي حنيفة في المراسيل هو مذهب من لا يلجأ إلى القياس إلا إذا