للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مالك من ذكر اَراء الصحابة والتَّابِعِينَ في " صحيحه "، وقل مثل ذلك في " الترمذي " الذي حرص على أن يذكر في كل باب ما فيه من الخلاف بين العلماء وتفاصيل أقوالهم، وكذلك فعل أبو داود.

ولا يلزم من ذكر رأي الصحابي أو التابعي في كتاب حديث أن يخرج الكتاب عن زمرة كتب الحديث، خصوصاً عند من يرى إطلاق الحديث على كل ما أُثِرَ عن الرسول أو الصحابة أو التَّابِعِينَ.

وأما عدم عده مع الكتب الستة فلما أكثر مالك فيه من المراسيل، وهو وإن كان يرى العمل بها، ولكن غيره من المُحَدِّثِينَ لا يرون ذلك. فهذا هو الذي منع عَدَّهُ في "الكتب الستة " على أن الأنظار والآراء في ذلك متفاوتة كما سبق، وأمامنا " مسند الإمام أحمد " فإنه - باتفاق الناس جميعاً - كتاب حديث ومع ذلك فلم يعده كثبر من العلماء من " الكتب الستة " لاعتبارات خاصة.

واما أن تقوى المتأخرين هي التي جعلتهم يعدونه من كتب الصحاح، فهذه أساليب المُسْتَشْرِقِينَ وعباراتهم، وإلا فما معنى تقوى المتأخرين هنا؟ ألم يكن للمتقدمين تقوى تحملهم على ذلك؟ وما دخل التقوى هنا؟ وكيف يصح هذا القول والشافعي هو الذي قال: «مَا أَعْلَمُ فِي الأَرْضِ كِتَابًا فِي العِلْمِ أَكْثَرَ صَوَابًا مِنْ كِتَابِ مَالِكٍ»، وأجاب ابن الصلاح بأن ذلك قبل أن يظهر كِتَابَا البخاري ومسلم (١).أليس في هذا تقدير المُتَقَدِّمِينَ من علمائنا لـ " مُوَطَّأِ " مالك ونظرهم إليه على أنه كتاب حديث لا كتاب فقه؟ وإلا لما كان هنالك حاجة لأن يعتذر عن الشافعي بما اعتذر به ابن الصلاح، ولكان الجواب الطبيعي أن يقال: إن كتاب مالك كتاب فقه، وكان كتابا البخاري ومسلم كِتَابَيْ حديث ..


(١) " مقدمة علوم الحديث ": ص ٩.