للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وناقشناه في هذه الدعوى وفي الأمثلة التي ذكرها وأفردنا لمناقشته فصلاً خَاصًّاً في هذا الكتاب.

وينادي بها اليوم الأستاذ «أَبُو رَيَّةَ» ويجعلها هي الأساس فيما ينبغي أَنْ يُقْبَلَ أَوْ يُرَدَّ من الأحاديث، ويقول: «إن علماءنا الأقدمين لو علموا بها لَنَقَّوْا السُنّةَ من كثير مِمَّا علق بها».

وهذه الدعوة تبدو مقبولة لدى كثير من «المُثَقَّفِينَ» الذين يهتم بهم كثيراً «أَبُو رَيَّةَ» ولكنها - عند التدقيق - لا تعني شيئاً ولا تنتج شيئاً في علوم الشريعة، بل لا تنتج إلا الفوضى في قبول الأحاديث ورفضها.

ما هو العقل الصريح الذي يريده «أَبُو رَيَّةَ»؟ وما حدوده، وما مدى الاتفاق عليه؟

لئن كان يريد من العقل الصريح ما يقبله العقل من بدهيات الأمور، فهذا أمر واقع في تاريخ السُنّةِ، فقد وضع أئمة النقد من علماء الحديث علامات لمعرفة الحديث الموضوع، منها: «أن يكون متنه مخالفاً لبداهة العقول وللمقطوع به من الدين أو التاريخ أو الطب أو غير ذلك» وعلى هذا نفوا آلافاً من الأحاديث وحكموا عليها بالوضع.

ولئن كان يريد غير هذا مِمَّا يستغربه «العقل»، فإن «استغراب» العقل شيئاً أمر نسبي يتبع الثقافة والبيئة وغير ذلك مِمَّا لا يضبطه ضابط ولا يحدده مقياس. وكثيراً ما يكون الشيء مستغرباً عند إنسان، طبيعياً عند إنسان آخر ولا يزال الذين سمعوا بالسيارة في بلادنا، واستغربوها قبل أن يروها، لأنها تسير من غير خيول تقودها، في حين كانت عند الغَرْبِيِّينَ أمراً مألوفاً عادياً. والبدوي في الصحراء كان «يستغرب» ما يقولونه عن المذياع «الراديو» في المدن، وَيَعُدُّهُ كذبة من أكاذيب الحَضَرِيِّينَ. فلما سمع الراديو لأول مرة ظن أن «الشيطان» هو الذي يتكلم فيه، كما يظن الطفل أن الذي يتكلم إنسان ثَاوٍ فيه.

ومن المقرر في الإسلام أنه ليس فيه «ما يرفضه» العقل ويحكم باستحالته، ولكن فيه - كما في كل دين سماوي - أمور قد «يستغربها» العقل ولا يستطيع أن يتصورها، كأمور النُبُوَّاتِ وَالحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ. وشأن المسلم إذا