للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} (١).

فهذه آيات من كتاب الله صريحة في الدلالة على أن اسم الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد جاء ذكره صراحة في التوراة والإنجيل، وجاء ذكره وذكر صحابته عن طريق التشبيه والتمثيل في التوراة والإنجيل أيضاً.

فأية غرابة وأية مناقضة، وأي شيء فيه يستنكره عقل المسلم إذا روى أهل الكتاب مِمَّنْ أسلموا أن اسم النَّبِيِّ أو وصف صحابته أو بعضهم مكتوب في التوراة؟

وإذا كان ما روي عنهم لا نجده الآن في التوراة والإنجيل المعترف بهما لدى اليهود والنصارى في عصرنا هذا، فهل يكون ذلك دليلاً على كذب تلك الأخبار، أم يكون نَاشِئًا مِمَّا أخبر الله عنهم أنهم حَرَّفُوا هذه الكتب وَبَدَّلُوهَا؟

وَأَيًّا كان فـ «أَبُو رَيَّةَ» بين أمرين: إما أن يعترف بِصِحَّتِِهِمَا فَيُكَذِّبَ كل ما جاء من الأخبار مِمَّا لا يجده اليوم فيهما، وإما أن يعترف بتبديلهما فيعترف بما صح من تلك الأخبار ولو لم نجدها فيهما.

أما أن يقول: إن ما جاء في تلك الأخبار متفقاً مع ما في التوراة والإنجيل فذلك دليل على أن واضعيها يهوداً أو نصارى، وما جاء في تلك الأخبار مِمَّا لا وجود له فيهما فذلك دليل على كذب تلك الأخبار لأنا لا نجدها فيهما، فهذا هو التناقض، والتحكم بالهوى، والمجازفة لا «التحقيق».

(ثَامِناً) - إنه - بعد كل ما انتقده على السلف في تقصيرهم في تمحيص الحديث، وضع لنا قاعدة لتلافي ذلك التقصير أو تلك «الغفلة» وهي عرض الحديث على «العقل الصريح» فما وافقه قَبِلَهُ، وإلا فلا.

وحكاية عرض الحديث على «العقل» حكاية قديمة نادى بها المعتزلة وَطَبَّقَهَا فِعْلاً، فرفض كل حديث لا يرتضيه «عقله».

ونادى المُسْتَشْرِقُونَ حَدِيثًا، وتابعهم فيها الأستاذ أحمد أمين - رَحِمَهُ اللهُ -. وضرب لذلك أمثلة من الأحاديث الصحيحة وهي في رأيه - «غير مقبولة للعقل».


(١) [سورة الفتح، الآية: ٢٩].