للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التوراة، فذلك دليل على كذب تلك الأحاديث!

وهذا - لعمري - موقف متناقض لا يصير إليه عالم «محقق».

إن الله تعالى نص على حقيقتين وَاضِحتَيْنِ بالنسبة إلى التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الأنبياء السابقين:

الأولى - أن الله أنزلها على الأنبياء، ومبادؤها واحدة في جميع الديانات.

الثانية - أن أتباع هذه الديانات بَدَّلُوهَا وَحَرَّفُوهَا {يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} (١).

فسبيل المؤمن العالم إذا رُوِيَ له حديث صح سنده أن يعرضه على كتاب الله فإن توافق معه اطمأن قلبه إليه واعتقده، وإن خالفه - وهذا ما لا وجود له في الأحاديث الصحيحة قطعاً - جاز له رَدُّهُ مهما كانت الثقة برجاله.

وعلى هذا الهَدْيِ سار علماؤنا - رَحِمَهُمْ اللهُ - منذ الصحابة حتى من بعدهم من قول رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقواعد الدين، وَرَدُّوا كل ما يخالف ذلك.

ولكن «أَبَا رَيَّةَ» اتخذ مبدءاً آخر، وهو أن كل حديث عن التوراة والإنجيل هو مدسوس على الإسلام من قبل اليهود أو النصارى.

وعلى هذا كَذَّبَ ما رواه أبو هريرة وغيره عن كعب من أن التوراة نَصَّتْ على اسم الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واتهم في ذلك مسلمي اليهود من أسلم منهم في عصر الرسول، ومن أسلم بعده.

ولا أدري كيف ساغ له مثل هذا القول وهو العالم «المُحَقِّقُ»! مع أن القرآن الكريم نص على هذا في أكثر من آية.

{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} (٢).

{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (٣).

{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ


(١) [سورة المائدة، الآية: ١٣].
(٢) [سورة الأعراف، الآية: ١٥٧].
(٣) [سورة الصف، الآية: ٦].