للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخذ لذلك مثلا مِمَّا ذكره «أَبُو رَيَّةَ»، نموذجاً لبعض ما رواه أبو هريرة ليؤكد دعواه كذب أبي هريرة في الحديث، ونسبته ما أخذه من الإسرائيليات إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

أخرج " مسلم " عن أبي هريرة، عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ».

هذا ما استغربه، بل مِمَّا ادَّعَى «ضمناً» كذبه، لأنه من رواية أبي هريرة عن الرسول، وقد كان أبو هريرة - في زعمه - ينسب ما سمعه من كعب إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ولك أن تسأل أَبَا رَيَّةَ: ما وجه الغرابة في هذا الحديث؟ ألأنه ذكر أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سَنَةٍ؟ أليست الجنة من أمور الغيب؟ هل استطاع أن يعرف ما فيها، إلا مِمَّا عَرَّفَنَا اللهُ وَرَسُولُه ُإِيَّاهُ؟ أليس في عالم الشهادة ما استطاع العلم أن يكشف من عظمته، واتساعه ما لا يكاد يتصوره العقل؟ ألاَ يُحَدِّثُنَا علماء الفلك الآن عن كبر حجم الشمس بالنسبة إلى أرضنا أكثر من مليون مَرَّةٍ، والشمس إحدى ملايين الشموس التي تكبر شمسنا هذه بملايين المرات؟ ألاَ يُحَدِّثُنَا هؤلاء العلماء عن شموس في هذا الفضاء الرحيب، لم يصل إلى الأرض نورها حتى الآن منذ مليون أو أكثر من السنوات الضوئية؟ أَيُصَدِّقُ العقل مثل هذه الأمور العلمية التي يكشف عنها العلماء في هذا العصر، لولا أنها مِمَّا يذيعه أولئك العلماء؟ فيا عجباً كيف يُصَدِّقُ «أَبُو رَيَّةَ» أن يعرف العلماء سَعَةَ هذا الكون العجيب إلى حد لا يصل إليه خيال أكبر عقل إنساني على وجه الأرض؟ ثم هو لا يُصَدِّقُ أن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المتصل بوحي السماء، المُسْتَمِدُّ عِلْمَهُ مِنْ عِلْمِ اللهِ خالق هذا الكون العجيب - يقول: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ»؟.

وما هي هذه السنون المائة بجانب هذه الملايين من السنين الضوئية؟!

ليست المشكلة مع «أَبِي رَيَّةَ» وأضرابه مشكلة استعمال العقل أو تركه، ولا هي مشكلة تأليه العقل المخلوق، أو عبوديته للخالق؟ إن هؤلاء «الأحرار»، «العباقرة» في الشريعة يريدون أن «يُؤَلِّهُوا» عقولهم معها، وَيَتَخَلَّوْا عن عقولهم مع غيرها؟