قال رحمه الله تعالى: [فأما المعنيان الأولان الصحيحان باتفاق العلماء، فأحدهما: هو أصل الإيمان والإسلام، وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته، والثاني: دعاؤه وشفاعته كما تقدم، فهذان جائزان بإجماع المسلمين.
ومن هذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، أي: بدعائه وشفاعته.
وقوله تعالى:{وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}[المائدة:٣٥] أي: القربة إليه بطاعته، وطاعة رسوله طاعته، قال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[النساء:٨٠]، فهذا التوسل الأول هو أصل الدين، وهذا لا ينكره أحد من المسلمين.
وأما التوسل بدعائه وشفاعته كما قال عمر، فإنه توسل بدعائه لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بعمه العباس].
يعني: بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، أما في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانوا يتوسلون به، لكن على المعنى الصحيح المفسر الذي فسرته أفعالهم وأقوالهم، لئلا يأتي مبطل ويقول: مادمتم أقررتم بأنهم يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم فهذا يعني أنهم قصدوا التوسل به، بمعنى دعائه من دون الله، أو الإقسام به على الله، أو السؤال به! وهذا لم يحدث من الصحابة، إنما حدث منهم أنهم طلبوا منه أن يدعو لهم، وطلبوا من الله عز وجل أن يستجيب دعاءه لهم، وبعد مماته عدلوا عن ذلك، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قريب في قبره، فلو كان دعاؤه بعد مماته مشروعاً لكان أسهل لهم من أن يبحثوا عن العباس وغير العباس وأقرب، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مدفوناً بجوار المسجد في حجرة عائشة، فما كانوا بحاجة إلى أن يبحثوا عن غيره لو كان عندهم هذا مشروعاً.
والصورة الصحيحة للتوسل لا تتحقق بعد ممات النبي صلى الله عليه وسلم أصلاً؛ لأنه إذا كان المقصود الشرعي بالتوسل به صلى الله عليه وسلم طلب دعائه، فلا يمكن أن يطلب دعاؤه بعد مماته! قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل بـ العباس، فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بـ العباس علم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بموته، بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له فإنه مشروع دائماً.
فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معان:].
لاحظوا أنه الآن جاء بخلاصة الكلام، فأخرج الوسيلة التي هي المقام المحمود؛ لأنها لا تدخل في معاني التوسل؛ لأن الوسيلة ليست طلب من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من غير النبي صلى الله عليه وسلم، إنما هي منزلة للنبي صلى الله عليه وسلم أكرمه الله بها يوم القيامة، فليست من نوع الطلب للعبادة، فهنا الشيخ ركز على التوسل الذي هو فعل العباد.