[العقل عند الفلاسفة واعتقاداتهم الرديئة فيه]
قال رحمه الله تعالى: [ومن عرف مراد الأنبياء ومرادهم علم بالاضطرار أن هذا ليس هو ذاك، مثل أن يعلم مرادهم بالعقل الأول وأنه مقارن عندهم لرب العالمين أزلاً وأبداً، وأنه مبدع لكل ما سواه، أو بتوسطه حصل كلما سواه.
والعقل الفعال عندهم عنه يصدر كلما تحت فلك القمر، ويعلم بالاضطرار من دين الأنبياء أنه ليس من الملائكة عندهم من هو رب كل ما سوى الله، ولا رب كل ما تحت فلك القمر، ولا من هو قديم أزلي أبدي لم يزل ولا يزال.
ويعلم أن الحديث الذي يروى: (أول ما خلق الله العقل) حديث باطل عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع أنه لو كان حقاً لكان حجة عليهم، فإن لفظه (أول ما خلق الله العقل) بنصب الأول على الظرفية، (فقال له: أقبل، فأقبل.
ثم قال: أدبر، فأدبر.
فقال: وعزتي ما خلقت خلقاً أكرم علي منك، فبك آخذ، وبك أعطي، وبك الثواب، وبك العقاب)، وروي: (لما خلق الله العقل).
فالحديث لو كان ثابتاً كان معناه أنه خاطب العقل في أول أوقات خلقه، وأنه خلق قبله غيره، وأنه تحصل به هذه الأمور الأربعة لا كل المصنوعات].
قال رحمه الله تعالى: [والعقل في لغة المسلمين: مصدر عقل يعقل عقلاً، يراد به القوة التي بها يعقل، وعلوم وأعمال تحصل بذلك، لا يراد بها قط في لغةٍ جوهٌر قائم بنفسه، فلا يمكن أن يراد هذا المعنى بلفظ العقل.
مع أنا قد بينا في مواضع أخر فساد ما ذكروه من جهة العقل الصريح، وأن ما ذكروه من المجردات والمفارقات ينتهي أمرهم فيه إلى إثبات النفس التي تفارق البدن بالموت، وإلى إثبات ما تجرده النفس من المعقولات القائمة بها، فهذا منتهى ما يثبتونه من الحق في هذا الباب].
لكنهم يقصرون ويقصرون عن إثبات كثير من الحق، ولذلك يلتبس أمر الفلاسفة على كثير من القراء والمثقفين حيث يعترف الفلاسفة بمبادئ الأصول، يقولون مثلاً: نؤمن بالله ونؤمن بالملائكة، هكذا يقول كثير من الفلاسفة الإسلاميين إن صح التعبير، فيظن الناس أنهم يؤمنون به على الوجه الحق، وهم يؤمنون بهذه الأمور على الوجه الباطل، وقد يصلون إلى إثبات شيء من الأمور التي توافق الشرع؛ لكن عند التفصيل يخالفون مخالفة صريحة، بل كل الفلاسفة وقعوا في شركيات ووقعوا في إلحاد عندما أرادوا أن يفصلوا في معنى إيمانهم، ومن الأشياء التي خلفوا فيها العقل والشرع زعمهم أن العقل جوهر، أي: جسم له ذات، فمعنى هذا أنهم يرون أن العقل له كيان مستقل عن المخلوقات الأخرى يدبر بها، وهذا هو الذي جعلهم يعتقدون أن العقل مدبر مع الله عز وجل.
ولذلك قال بعضهم: إن العقل جوهر، يوجد ضمن الملائكة وضمن الكواكب وضمن الأجرام والمخلوقات الأخرى.
ومنهم من قال: العقل كيان مستقل.
ولهذا فليس عندهم إلا التخرص والخيال والأوهام، وهذا الكلام ينبذه العقل أو التفكير، إذ كيف نقول: إن العقل له كيان ونحن نعرف أن العقل ليس إلا موهبة أعطاها الله الإنسان يفكر بها.
وهم لا يقصدون آلة العقل من المخ والقلب إلى آخره، ولو قصدوه لكان الأمر سهلاً، ولقلنا: هذا من باب التوسع في الاصطلاح أو التوسع في المفهوم لكنهم قصدوا أن العقل وثن يعبد من دون الله عز وجل؛ لكنه وثن غير منظور، وجعلوه رباً يدبر الكون مع الله هذه خلاصة قولهم.
ويزعمون أنهم يؤمنون بالملائكة، وإذا فسروا الملائكة فسروهم بما ذكر الشيخ، وإنما يظهرون الإيمان بهم خشية من العوام، فيقول أحدهم: أنا أومن بوجود الجن والشياطين، لكن يفسرها بتفسير إلحادي فيقول: الجن هم نوازع الشر في الإنسان، ولذلك ذهب بعض المتأخرين من تلامذة مدرسة محمد عبده إلى مذهب شيخه وقرر هذا في تفسير سورة الجن، فزعم أن الجن ما هم إلا طائفة من البشر ينقسمون إلى نوعين: النوع الأول: مستضعفو البشر يقول: أغلب الجن من مستضعفي البشر، فعلى هذا أكثر البشرية جن عنده، وجبابرة البشر شياطين، وهذا امتداد للمدرسة الفلسفية ومدرسة محمد عبده العقلانية ثم أصبح هذا الآن من مقررات كثير من العقلانيين؛ لكن أكثرهم لا يجرؤ على إظهاره.
ومن جرأ وأعلن هذا ولم يكن عنده في ذلك تحفظ مثل: الدكتور البهي.
لاشك أن إنكار الجن أصلاً بدون ما يؤولهم أسهل ممن يؤول، لكن مع ذلك مآل التأويل الإنكار؛ لأنه سيضطر إلى إنكار نصوص صريحة في وصف الملائكة والجن؛ فإن الله عز وجل وصفهم بأنهم أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، فكيف تكون نوازع الخير لها أجنحة مثنى وثلاث ورباع، ولذلك فإن من يعتقد ذلك ناقض العقل منكر نص القرآن المتواتر، نقول لو ناقشناه: كيف تكون الملائكة نوازع الخير والله عز وجل وصفهم بأن لهم أجنحة ووصفهم بأنهم يعرجون وينزلون، ووصفهم بأعمال ظاهرة حسية؟ فيصعب عليه أن يؤول جميع النصوص، وإذا أولها تأويلاً لا يقتضيه المقام فهو مثل الإنكار؛ لكنه إنكار الجبناء، والله أعلم!