للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مراتب الأدعية الشرعية وغير الشرعية]

قال رحمه الله تعالى: [وقد ذكر علماء الإسلام وأئمة الدين الأدعية الشرعية، وأعرضوا عن الأدعية البدعية، فينبغي اتباع ذلك، والمراتب في هذا الباب ثلاث: إحداها: أن يدعو غير الله وهو ميت أو غائب، سواء كان من الأنبياء والصالحين أو غيرهم، فيقول: يا سيدي فلان أغثني، أو أنا أستجير بك، أو أستغيث بك، أو انصرني على عدوي ونحو ذلك، فهذا هو الشرك بالله.

والمستغيث بالمخلوقات، قد يقضي الشيطان حاجته أو بعضها؛ وقد يتمثل له في صورة الذي استغاث به، فيظن أن ذلك كرامة لمن استغاث به، وإنما هو شيطان دخله وأغواه لما أشرك بالله، كما يتكلم الشيطان في الأصنام وفي المصروع وغير ذلك، ومثل هذا واقع كثيراً في زماننا وغيره، وأعرف من ذلك ما يطول وصفه في قوم استغاثوا بي أو بغيري، وذكروا أنه أتى شخص على صورتي أو صورة غيري، وقضى حوائجهم فظنوا أن ذلك من بركة الاستغاثة بي أو بغيري، وإنما هو شيطان أضلهم وأغواهم، وهذا هو أصل عبادة الأصنام واتخاذ الشركاء مع الله تعالى في الصدر الأول من القرون الماضية، كما ثبت ذلك، فهذا أشرك بالله، نعوذ بالله من ذلك.

وأعظم من ذلك أن يقول: اغفر لي وتب علي، كما يفعله طائفة من الجهال المشركين، وأعظم من ذلك أن يسجد لقبره ويصلي إليه ويرى الصلاة إليه أفضل من استقبال القبلة، حتى يقول بعضهم: هذه قبلة الخواص، والكعبة قبلة العوام.

وأعظم من ذلك أن يرى السفر إليه من جنس الحج، حتى يقول: إن السفر إليه مرات يعدل حجة، وغلاتهم يقولون: الزيارة إليه مرة أفضل من حج البيت مرات متعددة ونحو ذلك، فهذا شرك بهم، وإن كان يقع كثير من الناس في بعضه.

الثانية: أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين: ادع الله لي، أو ادع لنا ربك، أو اسأل الله لنا، كما تقول النصارى لمريم وغيرها.

فهذا أيضاً لا يستريب عالم أنه غير جائز، وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من سلف الأمة، وإن كان السلام على أهل القبور جائزاً، ومخاطبتهم جائزة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول قائلهم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يغفر الله لنا ولكم، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم).

وروى أبو عمر بن عبد البر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام).

وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)، لكن ليس من المشروع أن يطلب من الأموات لا دعاء ولا غيره.

وفي موطأ مالك أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت، ثم ينصرف].