للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مفاسد سؤال المخلوق]

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ولابد في جميع الواجبات والمستحبات أن تكون خالصة لله رب العالمين، كما قال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٤ - ٥].

وقال تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:١ - ٣].

فكل ما يفعله المسلم من القرب الواجبة والمستحبة؛ كالإيمان بالله ورسوله والعبادات البدنية والمالية ومحبة الله ورسوله، والإحسان إلى عباد الله بالنفع والمال، هو مأمور بأن يفعله خالصاً لله رب العالمين، لا يطلب من مخلوق عليه جزاء، لا دعاء ولا غير دعاء، فهذا مما لا يسوغ أن يطلب عليه جزاء، لا دعاء ولا غيره.

وأما سؤال المخلوق غير هذا فلا يجب، بل ولا يستحب إلا في بعض المواضع، ويكون المسئول مأموراً بالإعطاء قبل السؤال، وإذا كان المؤمنون ليسوا مأمورين بسؤال المخلوقين، فالرسول أولى بذلك صلى الله عليه وسلم، فإنه أجل قدراً وأغنى بالله عن غيره.

فإن سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد: مفسدة الافتقار إلى غير الله، وهي من نوع الشرك.

ومفسدة إيذاء المسئول، وهي من نوع ظلم الخلق.

وفيه ذل لغير الله وهو ظلم النفس.

فهو مشتمل على أنواع الظلم الثلاثة، وقد نزه الله رسوله عن ذلك كله].

قوله: (مفسدة الافتقار إلى غير الله، وهي نوع من الشرك)، لا يقصد بذلك أنها كلها من الشرك الأكبر، فالافتقار إلى غير الله إذا كان من باب العبادة كدعاء غير الله أو الاستعانة والاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهو شرك أكبر، وإذا كان ما دون ذلك، فهو نوع من الشرك الأصغر جزماً، فيسمى شركاً تجوزاً، ولأن كثيراً من طلب العباد للعباد فيه نوع افتقار إلى غير الله، حتى وإن كان من باب المباح، فكون الإنسان يحتاج إلى أخيه بأن يقترض منه مالاً، ومقتضى العزم والحزم أن يدعو الله عز وجل أن يجعل له من أمره يسراً، ويعزم المسألة في دعاء الله عز وجل من دون اقتراض مثلاً، لكن لو اقترض فهذا مباح له وليس فيه عليه حرج، وربما يكون عند الإنسان أحياناً نوع من الاعتماد على المخلوق حتى في المباح، حتى يذهل عن الاعتماد على الله عز وجل، فهذا لا شك أنه يقع في الإثم، مما قد يجعل صورة العمل عنده قريباً من الشرك الأكبر ولو لم تكن شركاً أكبر.

وأقول: إن مثل هذا الأمر يتفاوت، فمنه ما هو شرك أكبر، ومنه ما هو دون ذلك، وكله يسمى افتقاراً إلى غير الله، وكل ذلك فيه مفسدة.