قال رحمه الله تعالى:[وأما الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر الأئمة كالأربعة وغيرهم، فيقرون بما تواترت به الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله يخرج من النار قوماً بعد أن يعذبهم الله ما شاء أن يعذبهم، يخرجهم بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، ويخرج آخرين بشفاعة غيره، ويخرج قوماً بلا شفاعة].
هذا كله ورد في حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وغيرهما في الصحيحين، ومفاده: أن الله عز وجل يأذن للنبي صلى الله عليه وسلم بعدة شفاعات: منها شفاعته للخلائق جميعاً بأن يفصل الله بينهم القضاء، ومنها شفاعته صلى الله عليه وسلم لطوائف من أهل الجنة بأن تفتح لهم أبوابها بعد أن توصد أمامهم، ومنها شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته، ومنها شفاعة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والملائكة، ومنها شفاعة القرآن، وشفاعة الصيام كل هذه شفاعات يأذن الله بها ووردت أيضاً في الحديث، ثم بعد ذلك ثبت الخبر أن الله عز وجل حينما تحدث جميع هذه الشفاعات يقول الله عز وجل: شفع الملائكة وشفع النبيون ولم تبق إلا رحمة أرحم الراحمين، فيقبض قبضة بيده من أهل النار، فيخرجهم منها، ومنهم من لم يعمل خيراً قط، والله فعال لما يريد، له في عباده شئون، ويفعل في خلقه ما يشاء، ورحمته وسعت كل شيء، وذلك كله إلى الله عز وجل، وفي ذلك إعلام للعباد بألا يتألوا على الله، وليعلموا أن الأمور بيد الله، وليس للعباد أن يحكموا بأحكام على غيرهم، وليس لهم بأن يحكموا أفعال الله عز وجل بمقاييسهم، فالله فعال لما يريد، لو عذب الخلق جميعاً فله ذلك، ولو رحمهم جميعاً فله ذلك، لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه.
إذاً: بعد استنفاذ الشفاعات يحدث هذا الذي يحدث، وهو أن الله عز وجل يخرج أقواماً من النار لم يعملوا خيراً قط.
وقوله:(لم يعملوا خيراً قط)، هذه كلمة مجملة، اختلف العلماء في تقريرها، وهل يشمل ذلك من لم يكن عنده إيمان ألبتة؛ لأن هذا ظاهر النصوص؛ لأنه ورد في الحديث نفسه، أنه قال:(أخرجوا من في قلبه مثقال شعيرة مثقال خردلة مثقال ذرة من النار)، والذرة هي الهباء التي لا يكاد يكون لها وزن، ثم بعد ذلك تأتي هذه القصة، فالله أعلم ما تفسير ذلك، وبعضهم فسره بتفسيرات ليس عليها دليل، منهم من قال: أن هؤلاء هم الذين أسلموا في آخر لحظة من حياتهم ولم يتمكنوا من أن يعملوا خيراً قط، لكن هذا يرد بأن الإسلام يجب ما قبله، وأن من أسلم بدل الله سيئاته حسنات، فتأتي كالجبال بإذن الله، لكن ومع ذلك تبقى المسألة محتملة، الله أعلم بمراده.