للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية السلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن عبد الله بن دينار قال: رأيت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو لـ أبي بكر وعمر، وكذلك أنس بن مالك وغيره نقل عنهم أنهم كانوا يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أرادوا الدعاء استقبلوا القبلة يدعون الله تعالى، لا يدعون مستقبلي الحجرة، وإن كان قد وقع في بعض ذلك طوائف من الفقهاء والصوفية والعامة ممن لا اعتبار بهم، فلم يذهب إلى ذلك إمام متبع في قوله، ولا من له في الأمة لسان صدق عام.

ومذهب الأئمة الأربعة مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة الإسلام: أن الرجل إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة.

واختلفوا في وقت السلام عليه، فقال الثلاثة مالك والشافعي وأحمد: يستقبل الحجرة ويسلم عليه من تلقاء وجهه.

وقال أبو حنيفة: لا يستقبل الحجرة وقت السلام، كما لا يستقبلها وقت الدعاء باتفاقهم.

ثم في مذهبه قولان].

تلاحظون المفارقات العجيبة، وهذه كثيرة في أتباع الأئمة الأربعة أو غيرهم من المشاهير الذين لهم من يقتدي بهم، نجد أنه لو قارنا بين آراء ومواقف هذه الأمة تجاه نشر السنة ونفي البدعة، وجدنا أن أتباعهم أبعد الناس عنهم، فنجد أبا حنيفة رحمه الله شديد في هذه المسألة، في حين أن المنتسبين له الآن من الماتريدية والأحناف هم أكثر الناس وقوعاً في المخالفة، يعني: ليسوا على مذهب إمامهم، فهو -كما ترون- خالف الأئمة الثلاثة في أنه حتى في السلام على النبي صلى الله عليه وسلم يرى ألا يستقبل القبر خوفاً من البدعة، أو سداً لذريعة توجه الناس في قلوبهم إلى غير الله عز وجل، ومع ذلك فإن أتباعه من أكثر الناس في هذا العصر وقوعاً في خلاف قوله، وهذا كثير.

وما من جماعة شذت عن السنة إلا نجد الرد عليها -إذا كانت تنتسب إلى إمام من أئمة السنة- في أصول إمامها الذي تنتسب إليه، وينبغي أن ننبه على هذه المسألة الآن، وأرى أن من أحسن الردود على الأشاعرة في تأويلهم صفات الله عز وجل كتب الأشعري، من أجل ألا يقال: والله هذا مذهب الوهابية، مذهب الحنابلة، هذا مذهب ابن تيمية، فنأتي بالدليل من أئمتهم، وهذا كثير جداً، ليس في جزئيات، بل في أصول الدين، وليس فقط في جوانب الصفات والأمور النظرية، بل حتى في جوانب العبادة، فأغلب الناس الآن تنتسب للأئمة الأربعة، فينبغي أن نبين لهم أن هؤلاء الأئمة الأربعة كلهم على السنة، وكلهم على خلاف ما عليه أتباعهم الآن، وكلهم أيضاً يذمون ويسبون الأصول والبدع التي عليها أتباعهم الآن، فهم الآن يشتمون أئمتهم وهم لا يشعرون، فينبغي التنويه على هذا والاهتمام به، وتبصير المسلمين ونصحهم في مثل هذا الجانب؛ لأن الناس ابتلوا بالانتماء للمذاهب الأربعة، وإذا كان كذلك فمن الأفضل أن نقيم عليهم الحجة، بل نعيدهم إلى الحق، بهذا الانتماء والانتساب.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم في مذهبه قولان: قيل يستدبر الحجرة، وقيل يجعلها عن يساره، فهذا نزاعهم في وقت السلام].

قوله: (يجعلها عن يساره) أي: إذا كان في المسجد؛ لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تكون الحجرة عن يساره، فكأنه يقول: يدعو في المسجد متجهاً للقبلة، فلا يتجه للقبر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذا نزاعهم في وقت السلام، وأما في وقت الدعاء فلم يتنازعوا في أنه إنما يستقبل القبلة لا الحجرة].