قال رحمه الله تعالى:[وليس مجرد كون الدعاء حصل به المقصود ما يدل على أنه سائغ في الشريعة].
هذه شبهة جديدة، فالشيخ بعد أن حرر مسألة الاستدلال وبيّن أنه ليس هناك دليل ثابت يستدل به أهل التوسل البدعي، انتقل إلى شبهة يقولها كثير من أهل البدع قديماً وحديثاً، وهذه الشبهة هي أن بعض الذين يدعون بأدعية بدعية يستجاب لهم، كأن يتوسلوا إلى الأموات والأحياء بطلب حوائج فتحصل لهم أغراضهم ومطالبهم، فظن أهل البدع أن تحصيل هذه المطالب بالوسيلة البدعية دليل على أن هذه الوسيلة شرعية، قالوا: لذلك استجاب الله لهم، فيقولون فلان دعا عند القبر أو دعا صاحب القبر فأجيب دعاؤه، فلان توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكان كذا بعد موته فحصل له مطلوبه وهكذا، وهنا الشيخ سيناقش هذه القضية ويبيّن أن ما يحصل من إجابة لطلبات هؤلاء بالوسيلة البدعية لا تدل على أن عملهم مشروع، إنما هو من باب الابتلاء والفتنة، ومن باب تسخير الشياطين لتؤز هؤلاء المبتدعة إلى البدعة والكفر أزاً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[وليس مجرد كون الدعاء حصل به المقصود ما يدل على أنه سائغ في الشريعة، فإن كثيراً من الناس يدعون من دون الله من الكواكب والمخلوقين، ويحصل ما يحصل من غرضهم.
وبعض الناس يقصد الدعاء عند الأوثان والكنائس وغير ذلك، ويدعو التماثيل التي في الكنائس ويحصل ما يحصل من غرضه، وبعض الناس يدعو بأدعية محرمة باتفاق المسلمين ويحصل ما يحصل من غرضهم.
فحصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحته، وإن كان الغرض مباحاً، فإن ذلك الفعل قد يكون فيه مفسدة راجحة على مصلحته، والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فجميع المحرمات من الشرك والخمر والميسر والفواحش والظلم قد يحصل لصاحبه به منافع ومقاصد، لكن لما كانت مفاسدها راجحة على مصالحها نهى الله ورسوله عنها.
كما أن كثيراً من الأمور كالعبادات والجهاد وإنفاق الأموال قد تكون مضرة، لكن لمّا كانت مصلحته راجحة على مفسدته أمر به الشارع؛ فهذا أصل يجب اعتباره، ولا يجوز أن يكون الشيء واجباً أو مستحباً إلا بدليل شرعي يقتضي إيجابه أو استحبابه، والعبادات لا تكون إلا واجبة أو مستحبة، فما ليس بواجب ولا مستحب فليس بعبادة، والدعاء لله تعالى عبادة إن كان المطلوب به أمراً مباحاً.
وفي الجملة فقد نُقل عن بعض السلف والعلماء السؤال به].
أي بالنبي صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله تعالى:[بخلاف دعاء الموتى والغائبين من الأنبياء والملائكة والصالحين، والاستغاثة بهم والشكوى إليهم؛ فهذا مما لم يفعله أحد من السلف، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا رخّص فيه أحد من أئمة المسلمين].