هنا مسألة مهمة جداً وهي من أسباب اللبس في وقوع كثير من البدع في تاريخ الإسلام، وفي التباس هذه البدع على بعض أهل العلم وهي الخلط بين الرؤى وبين الأدلة الشرعية من ناحية، والخلط أيضاً بين نسبة القول إلى إمام متبوع أو إلى رجل مشهور وبين الاستدلال بالكتاب والسنة، فإن مثل هذه الحكاية عن العتبي اشتهرت عند الناس في وقتها وبعد وقتها، والقصة تعلقت بها عواطف بعض الناس حتى بعض الذين ينتسبون للعلم لكنهم انطلت عليهم المسألة أو جهلوا أو تجاهلوا.
حكاية العتبي أنه رأى أعرابياً أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ هذه الآية، وأنه رأى في المنام أن الله غفر له، هذه حكاية حتى لو ثبتت لم تكن دليلاً على البدعة أو الاستشفاع الممنوع، فأولاً: كون الأعرابي أتى إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، هذا غلط، والأعرابي ليس قدوة ولو كان إماماً في الدين لما سمي أعرابياً، لأن الإمام في الدين وإن كان أصله من البادية لا يقال: إنه أعرابي، فهذا أعرابي جاهل لم يجد من يعلمه، ثم يزعمون أنه أتى إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم إنه رأى في المنام أن الله غفر له.
فمن يصدق أنه رأى، ثم إذا كان رأى فيحتمل أنه لبس عليه الشيطان.
وقال الشيخ:(وهذا لم يذكره أحد من المجتهدين من أهل المذاهب المتبوعين الذين يفتي الناس بأقوالهم) إلى آخره، المهم أن الحكايات مثلها كثير صلوات ابتدعت، أعمال التمسح بالقبور، تعلق بالأموات والأحياء، كذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ابتداع في أعمال الحج، ابتداع في الصيام، أعمال في الزكاة، وكلها ابتداع من الناس وكثير منها من أمثال هذه الحكاية، حيث يأتي إنسان جاهل فيفعل فيتبعه غيره، ثم يدعي آخر أو يدعي هو أنه رأى رؤيا تصدق فعله، ثم يأتي الشيطان فيرد على كثير من الناس فتتواتر الرؤيا بزعمهم، فتكون الرؤيا سبيل فتنة، أو يتناقلون أشياء ليس لها أصل وتتواتر عندهم كأنها دليل حقيقي، أو يفتنون بقول عالم ما تأمل المسألة وأخطأ فيها، فتتراكم الأمور الملبسة ما بين رؤى، وزلات علماء وشهرة القصة، والثقة بالشخص القائل، وتناقل الشائعات، فتكون البدع من هذا الباب.
أقول هذا لأنه كثر عندنا هذا النوع من البدع، بدع في الرقى، بدع في علاج السحر، في علاج الأمراض، وأكثرها بدع حول الأعياد، وبدع حول بعض الأعمال التي يظن الناس أنها من أعمال البر، فكثر في الناس هذا النوع حتى تعلقوا بأشياء كثيرة ثم تتواتر عندهم الرؤى أو تكثر حتى تتعلق نفوسهم بهذا الأمر وهو في الأصل بدعة.