[سئل رحمه الله: عمن يبوس الأرض دائماً هل يأثم؟ وعمن يفعل ذلك لسبب أخذ رزق وهو مكره كذلك؟ فأجاب: أما تقبيل الأرض ورفع الرأس ونحو ذلك مما فيه السجود مما يفعل قدام بعض الشيوخ وبعض الملوك فلا يجوز، بل لا يجوز الانحناء كالركوع أيضاً، كما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:(الرجل منا يلقى أخاه أينحني له؟ قال: لا)، (ولما رجع معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا يا معاذ؟ قال: يا رسول الله! رأيتهم في الشام يسجدون لأساقفتهم ويذكرون ذلك عن أنبيائهم، فقال: كذبوا عليهم، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من أجل حقه عليها، يا معاذ! إنه لا ينبغي السجود إلا لله).
وأما فعل ذلك تديناً وتقرباً فهذا من أعظم المنكرات، ومن اعتقد مثل هذا قربة وتديناً فهو ضال مفتر، بل يبين له أن هذا ليس بدين ولا قربة، فإن أصر على ذلك استتيب، فإن تاب وإلا قتل، وأما إذا أكره الرجل على ذلك بحيث لو لم يفعله لأفضى إلى ضربه، أو حبسه، أو أخذ ماله، أو قطع رزقه الذي يستحقه من بيت المال ونحو ذلك من الضرر، فإنه يجوز عند أكثر العلماء، فإن الإكراه عند أكثرهم يبيح الفعل المحرم كشرب الخمر ونحوه، وهو المشهور عن أحمد وغيره، ولكن عليه مع ذلك أن يكرهه بقلبه ويحرص على الامتناع منه بحسب الإمكان، ومن علم الله منه الصدق أعانه الله تعالى، وقد يعافى ببركة صدقه من الأمر بذلك.
وذهب طائفة إلى أنه لا يبيح إلا الأقوال دون الأفعال، ويروى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ونحوه قالوا: إنما التقية باللسان، وهو الرواية الأخرى عن أحمد، وأما فعل ذلك لأجل فضول الرياسة والمال فلا، وإذا أكره على مثل ذلك ونوى بقلبه أن هذا الخضوع لله تعالى كان حسناً، مثل أن يكره كلمة الكفر وينوي معنى جائزاً، والله أعلم].