[سؤال رسول الله الدعاء من عمر وحديث: (أجعل لك صلاتي كلها)]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن هذا الباب الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، وابن ماجه: (أن عمر بن الخطاب استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن له، ثم قال: ولا تنسنا يا أخي من دعائك)، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر أن يدعو له كطلبه أن يصلي عليه ويسلم عليه، وأن يسأل الله له الوسيلة والدرجة الرفيعة، وهو كطلبه أن يعمل سائر الصالحات، فمقصوده نفع المطلوب منه والإحسان إليه، وهو صلى الله عليه وسلم أيضاً ينتفع بتعليمهم الخير وأمرهم به، وينتفع أيضاً بالخير الذي يفعلونه من الأعمال الصالحة ومن دعائهم له.
ومن هذا الباب قول القائل: (إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت.
قال: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك.
قال: النصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال: الثلثين؟ قال: ما شئت، وإذا زدت فهو خير لك، قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذاً تكفى همك ويغفر لك ذنبك) رواه أحمد في مسنده والترمذي وغيرهما].
يقصد بهذا الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه، ولا يقصد بالصلاة هنا الصلاة المعهودة، فالصلاة يدخل فيها الدعاء أو الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، فالسائل هنا يقول: لو أني جعلت كل وقت من الأوقات أحدده للعبادة أو للذكر في الصلاة عليك والدعاء لك؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإن زدت فهو خير لك)، ثم لما قال: أجعل لك صلاتي كلها، قال: (إذاً تكفى همك ويغفر لك ذنبك)، بمعنى أن يخصص كل وقت الذكر للدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد بسط الكلام عليه في جواب المسائل البغدادية، فإن هذا كان له دعاء يدعو به، فإذا جعل مكان دعائه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كفاه الله ما أهمه من أمر دنياه وآخرته، فإنه كما صلى عليه مرة صلى الله عليه عشراً، وهو لو دعا لآحاد المؤمنين لقالت الملائكة: (آمين، ولك بمثل) فدعاؤه للنبي صلى الله عليه وسلم أولى بذلك.
ومن قال لغيره من الناس: ادع لي أو لنا، وقصده أن ينتفع ذلك المأمور بالدعاء وينتفع هو أيضاً بأمره وبفعل ذلك المأمور به، كما يأمره بسائر فعل الخير، فهو مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤتم به، ليس هذا من السؤال المرجوح].
هذه مسألة فيها غموض ويغفل عنها كثير من الناس؛ وهو أن الشيخ فرق بين صورتين في طلب الدعاء من الغير: صورة أن يطلب الدعاء من الغير من أجل أن يؤجر الغير، ثم هو ينتفع، فيقول: إن هذا مشروع.
والصورة الأخرى وهي أقل مشروعية وربما تكون غير مرغوب فيها، وهو أن يكثر من طلب الدعاء من الغير لينتفع هو، وليس على باله أن ينتفع الداعي بالأجر.
وقد فرق الشيخ بين الصورتين أكثر من مرة فيما مضى وفي هذا المقام وفي مقامات لاحقة، وهذا فقه دقيق لا يدركه أكثر الناس، فالشيخ تجده مرة يقول: طلب الدعاء من الغير ليس مرغوباً فيه، وهنا يقول: طلب الدعاء من الغير في هذه الصورة مرغوب فيه وراجح، وليس من السؤال المرجوح.
إذاً: الصورة التي رأى أنها مرغوبة وراجحة وليست من السؤال المرجوح هي: أن تطلب من الغير الدعاء لك ويكون في نيتك الإحسان إلى هذا الغير من أجل أن ينتفع بالدعاء فيؤجر؛ لأن الدعاء للمسلمين من أعظم القربات، والدعاء للمؤمنين بخاصة من أعظم القربات، والدعاء للصالحين كذلك من أعظم القربات، فمن هنا تفطن الشيخ لهذا الفقه ففرق بين الصورتين.