[أقوال العلماء في حق المخلوق على الخالق]
قال رحمه الله: [أما الأول: فمن الناس من يقول: للمخلوق على الخالق حق يعلم بالعقل، وقاس المخلوق على الخالق، كما يقول ذلك من يقوله من المعتزلة وغيرهم.
ومن الناس من يقول: لا حق للمخلوق على الخالق بحال، لكن يعلم ما يفعله بحكم وعده وخبره، كما يقول ذلك من يقوله من أتباع جهم والأشعري وغيرهما ممن ينتسب إلى السنة].
القول الثالث الذي سيذكره الآن هو القول الراجح، وهو قول الجمهور أهل السنة والجماعة، وهو الذي تؤيده النصوص الشرعية.
قال رحمه الله تعالى: [ومنهم من يقول: بل كتب الله على نفسه الرحمة، وأوجب على نفسه حقاً لعباده المؤمنين، كما حرم الظلم على نفسه، لم يوجب ذلك مخلوق عليه، ولا يقاس بمخلوقاته، بل هو بحكم رحمته وحكمته وعدله كتب على نفسه الرحمة، وحرم على نفسه الظلم.
كما قال في الحديث الصحيح الإلهي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً؛ فلا تظالموا).
وقال تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:٥٤]، وقال تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:٤٧].
وفي الصحيحين عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا معاذ! أتدري ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، يا معاذ! أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حقهم عليه أن لا يعذبهم).
فعلى هذا القول لأنبيائه وعباده الصالحين عليه سبحانه حق أوجبه على نفسه مع إخباره.
وعلى الثاني يستحقون ما أخبر بوقوعه وإن لم يكن ثَّم سبب يقتضيه.
فمن قال: ليس للمخلوق على الخالق حق يسأل به، كما روي أن الله تعالى قال لداود: وأي حق لآبائك علي؟ فهو صحيح إذا أريد بذلك أنه ليس للمخلوق عليه حق بالقياس والاعتبار على خلقه، كما يجب للمخلوق على المخلوق، وهذا كما يظنه جهال العباد من أن لهم على الله سبحانه حقاً بعبادتهم].
إذاً: الحق الذي للعباد من الله عز وجل لا يوجبونه عليه بأي مقياس من المقاييس، بل لا يجوز لأحد أن يفرض على الله حقاً للعباد، لكن الله عز وجل وعد عباده بحق ألزم نفسه به، فإذاً: الوعد بفضله ومنه ورحمته، فالعباد ليس لهم على الله أي حق، ولا يستحقون على الله بأي عمل من الأعمال حقاً يفرضونه، ولا يمكن أن يكون لهم على الله فيه أي حجة.