للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على من يخصص بعض المخلوقات المعظمة في سؤال الله بها]

قال رحمه الله تعالى: [وإن قال قائل: بل أنا أسأله أو أقسم عليه بمعظّم دون معظم من المخلوقات، إما الأنبياء دون غيرهم، أو نبي دون غيره، كما جوز بعضهم الحلف بذلك، أو الأنبياء والصالحين دون غيرهم.

قيل له: بعض المخلوقات وإن كانت أفضل من بعض فكلها مشتركة في أنه لا يجعل شيء منها نداً لله تعالى، فلا يُعبد ولا يُتوكل عليه ولا يُخشى ولا يُتقى ولا يُصام له ولا يُسجد له ولا يُرغب إليه، ولا يُقسم بمخلوق، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كان حالفاً فليحلف بالله، أو ليصمت)، وقال: (لا تحلفوا إلا بالله).

وفي السنن عنه أنه قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك).

فقد ثبت بالنصوص الصحيحة الصريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز الحلف بشيء من المخلوقات، لا فرق في ذلك بين الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم ولا فرق بين نبي ونبي.

وهذا كما قد سوى الله تعالى بين جميع المخلوقات في ذم الشرك بها وإن كانت معظمة.

قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:٧٩ - ٨٠]، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:٥٦ - ٥٧].

قالت طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح والعزير والملائكة، فقال تعالى: هؤلاء الذين تدعونهم عبادي يرجون رحمتي كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي، ويتقربون إلي كما تتقربون إلي.

وقد قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:٥٢].

فبيّن أن الطاعة لله والرسول، فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله، وبيّن أن الخشية والتقوى لله وحده، فلم يأمر أن يُخشى مخلوق ولا يُتقى مخلوق.

وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة:٥٩]، وقال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:٧ - ٨].

فبيّن سبحانه وتعالى أنه كان ينبغي لهؤلاء أن يرضوا بما آتاهم الله ورسوله، ويقولوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله، إنا إلى الله راغبون، فذكر الرضا بما آتاه الله ورسوله؛ لأن الرسول هو الواسطة بيننا وبين الله في تبليغ أمره ونهيه، وتحليله وتحريمه، ووعده ووعيده فالحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧].

فليس لأحد أن يأخذ من الأموال إلا ما أحله الله ورسوله، والأموال المشتركة، كمال الفيء والغنيمة والصدقات عليه أن يرضى بما آتاه الله ورسوله منها، وهو مقدار حقه لا يطلب زيادة على ذلك، ثم قال تعالى: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} [التوبة:٥٩]، ولم يقل: ورسوله؛ فإن الحسب هو الكافي، والله وحده هو كاف عباده المؤمنين كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:٦٤] أي هو وحده حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين.

هذا هو القول الصواب الذي قاله جمهور السلف والخلف كما بُيّن في موضع آخر، والمراد أن الله كاف للرسول ولمن اتبعه، فكل من اتبع الرسول فالله كافيه وهاديه وناصره ورازقه، ثم قال تعالى: {سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} [التوبة:٥٩] فذكر الإيتاء لله ورسوله، لكن وسّطه بذكر الفضل فإن الفضل لله وحده بقوله: {سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} [التوبة:٥٩] ثم قال تعالى: {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة:٥٩] فجعل الرغبة إلى الله وحده دون الرسول وغيره من المخلوقات].

يريد بذلك كما سيذكر أن التوسلات البدعية كلها خلاف ذلك، بمعنى أن من توسل توسلاً بدعياً فكأنه لم يجعل الله وح