[أنواع التوسل المشروع]
قال رحمه الله تعالى: [والتوسل بذلك على وجهين].
المقصود بـ (ذلك) هذه الأعمال: الإيمان والمحبة والطاعة والموالاة وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه وتوقيره إلى آخر هذه الأمور الإيمانية، فالتوسل بها على وجهين قال رحمه الله تعالى: [أحدهما: أن يتوسل بذلك إلى إجابة الدعاء وإعطاء
السؤال
كحديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار، فإنهم توسلوا بأعمالهم الصالحة ليجيب دعاءهم ويفرج كربتهم، وقد تقدم بيان ذلك.
والثاني: التوسل بذلك إلى حصول ثواب الله وجنته ورضوانه].
الوجهان متقاربان، لكن الأول غالباً تطلب به المنافع العاجلة.
والنوع الثاني: هو التوسل بالأعمال الصالحة بطلب الثواب لها من الله عز وجل، أي: حصول الثواب وحصول المصلحة الآجلة من تحصيل السعادة والجنة في الآخرة، ورضوان الله عز وجل قبل ذلك كله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والثاني: التوسل بذلك إلى حصول ثواب الله وجنته ورضوانه، فإن الأعمال الصالحة التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم هي الوسيلة التامة إلى سعادة الدنيا والآخرة.
ومثل هذا كقول المؤمنين: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ} [آل عمران:١٩٣]، فإنهم قدموا ذكر الإيمان قبل الدعاء.
ومثل ذلك ما حكاه الله سبحانه عن المؤمنين في قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون:١٠٩]، وأمثال ذلك كثير.
وكذلك التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته، فإنه يكون على وجهين].
الوجهان اللذان سيذكر فيهما الشيخ أنواع التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم هما مثل الوجهين السابقين: توسل لتحقيق مصلحة عاجلة، أو توسل لطلب مصلحة آجلة، كذلك التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم قد يطلب به مصلحة عاجلة، أو مصلحة آجلة، المصلحة العاجلة تحصيل المنافع في الدنيا، ودفع المضار، والمصلحة الآجلة تكون بالشفاعة ونحو ذلك.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أحدهما: أن يطلب منه الدعاء والشفاعة فيدعو ويشفع، كما كان يطلب منه في حياته، وكما يطلب منه يوم القيامة، حين يأتون آدم ونوحاً ثم الخليل ثم موسى الكليم ثم عيسى، ثم يأتون محمداً صلى الله عليه وسلم وعليهم فيطلبون منه الشفاعة.
والوجه الثاني: أن يكون التوسل مع ذلك بأن يسأل الله تعالى بشفاعته ودعائه، كما في حديث الأعمى المتقدم بيانه وذكره، فإنه طلب منه الدعاء والشفاعة، فدعا له الرسول وشفع فيه، وأمره أن يدعو الله فيقول: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك به، اللهم فشفعه في، فأمره أن يسأل الله تعالى قبول شفاعته، بخلاف من يتوسل بدعاء الرسول وشفاعة الرسول، والرسول لم يدع له ولم يشفع فيه، فهذا توسل بما لم يوجد، وإنما يتوسل بدعائه وشفاعته من دعا له وشفع فيه].
يظهر أن الوجهين فيهما اختلاف عن الوجهين السابقين، الوجهين هنا فيما يتعلق بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر الشيخ أن الوجه الأول هو طلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة بأن يدعو بمنفعة عاجلة أو آجلة، بمعنى أن من الشفاعة المشروعة في حق النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب منه الدعاء وهو حي، سواء حياته في الدنيا أو في الآخرة كما سيأتي.
فهذا طلب منه أن يشفع على طريقة شرعية يأذن الله له بها.
أما النوع الثاني فهو: أن يطلب المستشفع من الله عز وجل أن يقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه حينما يدعو له، وهذه الصورة فيها نوع غموض وتعقيد، والغموض فيها هو الذي جعل كثيراً من أهل الأهواء يلتبس عليهم الأمر، ويستدلون بحديث الأعمى على الشفاعة الممنوعة.
هذه الصورة قد تحدث مفصلة وقد تحدث مختصرة، فهذه هي الصورة التي أشكلت على كثير من أهل الأهواء ولم يفقهوها، ولا تعرف جيداً إلا من خلاصة الجمع بين روايات الحديث؛ هذا من ناحية.
ومن خلال تطبيق أو عمل الصحابة بهذه الشفاعة فيما بعد؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لما مات النبي صلى الله عليه وسلم انقطع عملهم بهذه الوسيلة؛ لأنهم يعرفون أنه لا يمكن عملها إلا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الوجه الذي تمت به لا يمكن الخروج عن حدوده الشرعية؛ لأن الخروج عن حدوده الشرعية ربما يؤدي إلى التوسل البدعي.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن هذا الباب قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وقت الاستسقاء كما تقدم، فإن عمر والمسلمين توسلوا بدعاء العباس، وسألوا الله تعالى مع دعاء العباس، فإنهم استشفعوا جميعاً، ولم يكن العباس وحده هو الذي دعا لهم؛ فصار التوسل بطاعته والتوسل بشفاعته كل منهما يكون مع دعاء المتوسل وسؤاله، ولا يكون بدون ذلك؛ فهذه أربعة أنواع كلها مشروع