للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اقتران الشياطين بالمرء بحسب ما عنده من مادة الشرك والفجور]

قال رحمه الله تعالى: [وكثير من هؤلاء يطير في الهواء وتكون الشياطين قد حملته، وتذهب به إلى مكة وغيرها، ويكون مع ذلك زنديقاً يجحد الصلاة وغيرها مما فرض الله ورسوله، ويستحل المحارم التي حرمها الله ورسوله.

وإنما يقترن به أولئك الشياطين لما فيه من الكفر والفسوق والعصيان، حتى إذا آمن بالله ورسوله وتاب والتزم طاعة الله ورسوله، فارقته تلك الشياطين، وذهبت تلك الأحوال الشيطانية من الإخبارات والتأثيرات.

وأنا أعرف من هؤلاء عدداً كثيراً بالشام ومصر والحجاز واليمن، وأما الجزيرة والعراق وخراسان والروم ففيها من هذا الجنس أكثر مما بالشام وغيرها، وبلاد الكفار من المشركين وأهل الكتاب أعظم.

وإنما ظهرت هذه الأحوال الشيطانية التي أسبابها الكفر والفسوق والعصيان بحسب ظهور أسبابها، فحيث قوي الإيمان والتوحيد ونور الفرقان والإيمان وظهرت آثار النبوة والرسالة ضعفت هذه الأحوال الشيطانية، وحيث ظهر الكفر والفسوق والعصيان قويت هذه الأحوال الشيطانية، والشخص الواحد الذي يجتمع فيه هذا وهذا الذي تكون فيه مادة تمده للإيمان ومادة تمده للنفاق، يكون فيه من هذا الحال وهذا الحال.

والمشركون الذين لم يدخلوا في الإسلام مثل البخشية والطونية والبُدَّى ونحو ذلك من علماء المشركين وشيوخهم الذين يكونون للكفار من الترك والهند والخطى وغيرهم، تكون الأحوال الشيطانية فيهم أكثر، ويصعد أحدهم في الهواء ويحدثهم بأمور غائبة، ويبقى الدف الذي يغني لهم به يمشي في الهواء، ويضرب رأس أحدهم إذا خرج عن طريقهم، ولا يرون أحداً يضرب له، ويطوف الإناء الذي يشربون منه عليهم ولا يرون من يحمله، ويكون أحدهم في مكان، فمن نزل منهم عنده ضيفه طعاماً يكفيهم، ويأتيهم بألوان مختلفة؛ وذلك من الشياطين تأتيه من تلك المدينة القريبة منه أو من غيرها تسرقه وتأتي به.

وهذه الأمور كثيرة عند من يكون مشركاً أو ناقص الإيمان من الترك وغيرهم، وعند التتار من هذا أنواع كثيرة.

وأما الداخلون في الإسلام إذا لم يحققوا التوحيد واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، بل دعوا الشيوخ الغائبين واستغاثوا بهم، فلهم من الأحوال الشيطانية نصيب بحسب ما فيه مما يرضي الشيطان.

ومن هؤلاء قوم فيهم عبادة ودين مع نوع جهل، يحمل أحدهم فيوقف بعرفات مع الحجاج من غير أن يحرم إذا حاذى المواقيت، ولا يبيت بمزدلفة، ولا يطوف طواف الإفاضة، ويظن أنه حصل له بذلك عمل صالح وكرامة عظيمة من كرامات الأولياء، ولا يعلم أن هذا من تلاعب الشيطان به، فإن مثل هذا الحج ليس مشروعاً ولا يجوز باتفاق علماء المسلمين، ومن ظن أن هذا عبادة وكرامة لأولياء الله فهو ضال جاهل].