للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم سؤال الله بالمخلوق]

تكلم الشيخ فيما سبق في مسألة الشفاعة الممنوعة، واستطرد في مسألة الإقسام على الله عز وجل، وأنه لا تجوز، سواء كان من باب التوسل، أو من باب اليمين ونحو ذلك؛ فإنه لا يجوز أن يوضع بين الله والخلق واسطة، لا بالإقسام ولا بالتوسل.

وسيتكلم هنا عن مسألة الإقسام بغير الله والرغبة إليه ونحو ذلك، وما يترتب على هذا من الابتداع، أو ما ابتدع الناس في هذا الجانب، خاصة في الإقسام بالنبي صلى الله عليه وسلم، ودعوى أن ذلك من تعظيمه.

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: [وإذا كان الإقسام بغير الله والرغبة إليه وخشيته وتقواه ونحو ذلك هي من الأحكام التي اشتركت المخلوقات فيها؛ فليس لمخلوق أن يقسم به، ولا يتقي ولا يتوكل عليه وإن كان أفضل المخلوقات، ولا يستحق ذلك أحد من الملائكة والنبيين، فضلاً عن غيرهم من المشايخ والصالحين.

فسؤال الله تعالى بالمخلوقات إن كان بما أقسم به وعظمه من المخلوقات؛ فيسوغ السؤال بذلك كله].

قصد المؤلف بقوله: (وعظمه): مما يعظمه الناس، وخاصة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن له من المحبة والتوقير ما ليس لغيره من الخلق، لكن هذا لا يبرر أن يقسم به على الله؛ لأن حق الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو حق له، والمسلم إنما يحقق الشرف والقرب إلى الله عز وجل باتباعه الرسول صلى الله عليه وسلم، لا بالإقسام بحقه، ولا الإقسام بذاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز جعله وسيطاً بذاته أو بحقوقه بين العبد والخالق.

وسبق الكلام على مسألة التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم، وفهمت أن بعض الإخوان أشكل عليه جانب من حديثي في درس سابق، وهو أني -فيما أظن- قلت له: يجوز في عهد النبي صلى الله عليه وسلم التوسل بذاته الذي هو بمعنى التبرك، على اعتبار أن بعض الناس يسمي التبرك توسلاً.

أقول: نعم، النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي يجوز التبرك بذاته، لا التوسل بمعنى اتخاذ ذاته وسيلة بين الله والعبد، هذا لا يجوز، لكن التبرك بمعنى التماس البركة بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأشيائه وذاته في حياته؛ لأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك.

وأما التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت فعلى نوعين: النوع الأول: التبرك الذي نتحدث عنه، بمعنى: التماس البركة، لا اتخاذه واسطة بين الله وبين خلقه، ولكن التبرك فيما يتعلق بمصالح الناس الدنيوية ونحوها؛ هذا نوع.

النوع الثاني: التوسل به بمعنى أن يطلب منه الإنسان الدعاء، كما حدث للأعمى، وكلتا الصورتين لا تكونان إلا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي حياته، وأيضاً بما بقي من أشيائه بعد مماته -وقد انقرضت فلم يبق من أشياء النبي صلى الله عليه وسلم التي استعملها شيء- فمن هنا نقول جزماً: انقطع التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بأي شكل من الأشكال وبأي صورة من الصور، سواء كان التبرك بأشيائه أو بذاته في حياته، فقد انتهى ذلك، أو كان التوسل بمعنى: طلب دعائه؛ وهذا انقطع بوفاته صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يملك أن يجيب، ولا يملك أن يدعو بعد وفاته فقد لقي ربه.