للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الاستغاثة بالمخلوق]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولهذا روى الطبراني في معجمه: (أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين، فقال الصديق رضي الله عنه: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فجاءوا إليه فقال: إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله) وهذا في الاستعانة مثل ذلك.

فأما ما يقدر عليه البشر، فليس من هذا الباب، وقد قال سبحانه: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:٩]، وفي دعاء موسى عليه السلام: اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وإليك المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.

وقال أبو يزيد البسطامي: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق.

وقال أبو عبد الله القرشي: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون.

وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:٥٦ - ٥٧].

قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون الملائكة والأنبياء، فقال الله تعالى: هؤلاء الذين تدعونهم هم عبادي كما أنتم عبادي، يرجون رحمتي كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي ويتقربون إلي كما تتقربون إلي.

فنهى سبحانه عن دعاء الملائكة والأنبياء، مع إخباره لنا أن الملائكة يدعون لنا ويستغفرون، ومع هذا فليس لنا أن نطلب ذلك منهم، وكذلك الأنبياء والصالحون وإن كانوا أحياء في قبورهم، وإن قدر أنهم يدعون للأحياء وإن وردت به آثار، فليس لأحد أن يطلب منهم ذلك، ولم يفعل ذلك أحد من السلف؛ لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم وعبادتهم من دون الله تعالى، بخلاف الطلب من أحدهم في حياته، فإنه لا يفضي إلى الشرك، ولأن ما تفعله الملائكة ويفعله الأنبياء والصالحون بعد الموت هو بالأمر الكوني، فلا يؤثر فيه سؤال السائلين، بخلاف سؤال أحدهم في حياته فإنه يشرع إجابة السائل، وبعد الموت انقطع التكليف عنهم].

هنا مسألة قد توهم، وهي قوله: (وإن وردت به آثار)، وهو لا يقصد بالآثار الآيات والأحاديث.

وقوله: (وإن وردت به آثار)، أي: دعاء الأموات، أو القول بأنهم يسمعون؛ فهذا وإن وردت به آثار، فإن هذه الآثار أولاً ليست أحاديث صحيحة، وسماع الأموات محدود على ما ورد به الشرع، فقد ورد أن الميت يسمع وقع نعال الذين يدفنونه، وورد أن بعض الأموات يسمعون السلام ويردون السلام على من سلم عليهم، هذه مسألة محدودة على هيئة معينة وبأمر محدود شرعاً ووقت محدود، فلا يعني هذا أنهم يسمعون دائماً، ثم لو سمعوا أيضاً فلم يرد أنهم يدعون.

وما ورد من آثار يقصد أنه في عهد السلف وردت تجاوزات من بعض أناس: إما أن يكونوا جهلة، أو لم تثبت، أو ثبتت عن تأول منهم، أو أنها زلة من زلات بعض العلماء، فإذا كان قد حدث مثل هذا، فإن هذه الآثار ليست أدلة شرعية، والأمور الخطيرة كهذه لا يستند فيها إلا إلى دليل شرعي، لا إلى تصرفات أفراد أو زلات علماء، فتجعل أصولاً وقواعد تنسف بها السنة وتثبت بها البدعة، ويقع الناس بسببها في الشرك.

ولذلك فغاية ما يتعلق به أهل الأهواء والبدع في التوسلات البدعية، تجدها إما أشعار وإما مواقف من بعض الأعراب وإما أشياء لم تثبت، أو تثبت على وجه مجمل لا يعد دليلاً صريحاً على نوع البدعة، أو على الهيئة التي يبتدعونها، فهذه الآثار مما فتن به الناس، وليست أصلاً في الدين ولا من الأمور المشروعة.