أجمع المسلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله الناس ذلك، وبعد أن يأذن الله له في الشفاعة.
ثم إن أهل السنة والجماعة متفقون على ما اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، واستفاضت به السنن، من أنه صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الكبائر من أمته، ويشفع أيضاً لعموم الخلق.
فله صلى الله عليه وسلم شفاعات يختص بها لا يشركه فيها أحد، وشفاعات يشركه فيها غيره من الأنبياء والصالحين، لكن ما له فيها أفضل مما لغيره، فإنه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأكرمهم على ربه عز وجل، وله من الفضائل التي ميزه الله بها على سائر النبيين ما يضيق هذا الموضع عن بسطه: من ذلك: المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون.
وأحاديث الشفاعة كثيرة متواترة، منها في الصحيحين أحاديث متعددة، وفي السنن والمسانيد مما يكثر عدده.
وأما الوعيدية من الخوارج والمعتزلة، فزعموا أن الشفاعة إنما هي للمؤمنين خاصة في رفع الدرجات، وبعضهم أنكر الشفاعة مطلقاً].
العبارة كأن فيها بعض اللبس، أعني قوله:(فزعموا أن الشفاعة إنما هي للمؤمنين خاصة)، وهي فعلاً إنما هي للمؤمنين، أما الكفار فلا تنفعهم شفاعة الشافعين، لكن الشيخ قصد أنهم حصروا الشفاعة للمؤمنين في رفع الدرجات، وفي غير مسألة الشفاعة لأهل الكبائر، أو الشفاعة لخروج عصاة المؤمنين من النار، فهو هنا يقصد أنهم لم يعترفوا بجميع شفاعات المؤمنين، أما حصر الشفاعة في المؤمنين فلا شك أن هذا حق، لكن كونهم ضيقوا نطاق الشفاعة حتى لم يقروا إلا بالشفاعات التي هي أقل في دلالاتها في النصوص، وأنكروا الشفاعات المتواترة، مثل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته، فإنهم بذلك خالفوا السنة، وأنكروا الشفاعة التي هي المقصودة عند الإطلاق، بعد المقام المحمود، وهي الشفاعة لأهل الكبائر، وقد تواترت بذلك النصوص.