للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأصل في خبر الجني الكذب]

في باب الاستعانة بالجن ظهرت عندنا الآن ظواهر بدعية كثيرة، منها تصديق الجن، الجن يتلبسون ببني آدم ولا شك، وتلبسهم ظاهر من قديم الزمان وأخيره، والذين ينكرون هذا عندهم مكابرة وجهل بهذا الأمر، وقد يكونون علماء نفس وأطباء وقد يكونون طلاب علم إلى آخره، لكن عندهم مكابرة ويجهلون حقيقة الأمر، ويفسرون بتفسيرات هي إلى الدجل والتخرص أقرب منها إلى الواقع الذي يحصل ويشهد به الناس، كيف يفسرون تلبس الجن بتفسيرات نفسيه، ونحن نسمع الجني يتكلم بغير لغة الشخص، جني يتكلم في امرأة ساذجة ما عرفت تقرأ العربية فضلاً عن أن تعرف لغة أخرى، فتجده يتكلم بلهجة قبيلة في الشام أو بلغة هندية؟ لابد أن يكون هناك كائن آخر، هم يسمونه جرثومة، لابد أن يكون هذا جنياً؛ لأن الجن موجودون مخلوقون، يلتبسون بالإنس منذ القدم، ولهم وقائع وحالات معروفة مشهودة يشهدها العقلاء.

على أي حال ليس هذا مجال الكلام، فمجال الكلام هو ما يفعله بعض الرقاة من تصديق الجن، الجني الذي يتلبس بالإنسي الأصل فيه الفسق، فلو لم يكن فاسقاً لما آذى الإنسي، هذه مسألة معروفة شرعاً؛ لأن الواجب على الجني كالواجب على الإنسي ألا يظلم ولا يؤذي، وتلبس الجني بالإنسي مهما كان سببه فإنه من الأذى، ثم إنه من الاستمتاع الذي حرمه الله عز وجل، ثم إنه إذا تكلم الجني فالغالب أنه في موقع ضعف، لكنه إذا وجد الإنسي يعظمه ويجله ويخاف منه تعاظم واستعلى، ثم بدأ يهذي بالصدق والكذب، والأصل فيه الكذب والفجور، فيتهم الأبرياء من أجل أن يتخلص، ويخلط الحقيقة بالكذب من أجل أن يموه على الناس، يقول: تجد السحر في الصرة الفلانية تحت الشجرة الفلانية، فيذهب الناس فيجدون فعلاً تحت الشجرة صرة، لكن صرة من مخلفات البيت، فيظنون أن هذا هو السحر، مع أنه قد يكون هو السحر وقد لا يكون سحراً؛ لكن لا ننسى أن الأصل في هذا الكذب، والصدق إن وجد فهو قليل، وهكذا قد يقول: الذي عان هذا الرجل أو هذه المرأة وتسبب في مرضه هو فلان أو فلانة، وقد يكون قريباً أو صديقاً أو جاراً، فيقاطع وتحصل أمور عظام وفتن.

فالشاهد أن أخبار الجن للإنس الأصل فيها أن يتثبت منها، كأخبار الإنسي للإنس، ثم إذا صار الخبر عن جني متلبس فالجني فاسق بذلك قطعاً، فيجب أيضاً التثبت وأن الأصل في خبره الكذب، ثم إن هذا نوع من أنواع الدجل ولا شك، لكن نستثني ما إذا وجدت قرائن على صدق الجني هذا أمر.

الأمر الآخر: ألا يكون هذا من باب التعاقد بين الراقي والجني، بعض الرقاة كما سمعت وعلمت، إذا نطق الجني تعاقد معه بأن يأتيه كل وقت يحتاجه، أو أنه إذا أراد الخبر الفلاني يعطيه الخبر ويقول: العهد بيني وبينك أنك إذا احتجناك تأتي وتقول وتفعل، هذا من الاستمتاع المحرم، وهذا من الدجل، أما إذا جاء الخبر من الجني بدون عقد أو عهد بينك وبينه فلا بأس.

فقد يكون فيه أحياناً منفعة قد يصدق، وقد يكرم الله بعض عباده عن طريق الجن، مما يخبرونهم بالعلاج أو يخبرونهم بأسباب المرض أو نحو ذلك، لكن هذا قليل ليس هو الأصل.

أعود وأقول: ينبغي أن ينبه الرقاة، أن التمادي في هذا الموضوع والخروج عن الأصول الشرعية في هذا الجانب من الاستمتاع المحرم بين الإنس والجن، وأنه نوع من أنواع الدجل والكهانة التي حرمها الله عز وجل.