[الكلام على حديث أبي بكر ودعوته إلى الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم]
قال رحمه الله تعالى: [وقد روى الطبراني في معجمه الكبير: (أن منافقاً كان يؤذي المؤمنين، فقال أبو بكر: قوموا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله).
وفي صحيح مسلم في آخره: (أنه قال قبل أن يموت بخمس: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك).
وفي صحيح مسلم -أيضاً- وغيره أنه قال: (لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها).
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد وأبي هريرة -وله طرق متعددة عن غيرهما- أنه قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى).
وسئل مالك عن رجل نذر أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال مالك: إن كان أراد القبر فلا يأته، وإن أراد المسجد فليأته، ثم ذكر الحديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)، ذكره القاضي إسماعيل في مبسوطه].
هذا استطراد في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ليبين الشيخ ما يدخل في حقوق النبي صلى الله عليه وسلم، وما يتجاوز الحقوق المشروعة، وهو الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم والإطراء.
ومن ذلك اتخذ قبره مسجداًَ، أي: الصلاة إليه أو التمسح به أو التوسل به توسلاً بدعياً، أو نحو ذلك مما يفعله أهل الأهواء.
وكذلك أراد أن يبين أن كل ما يتعدى حدود الطاعة فلا يعتبر من تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء الأمر بطاعته، وأن طاعته من طاعة الله، أما العبادة فلا تكون إلا لله، ولذلك إذا جاء ذكر الطاعة في القرآن وفي السنة فإنه يذكر طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد طاعة الله، كقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة:٩٢]، ففيما يتعلق بالطاعة والتشريع نجد أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تقرن بطاعة الله، لكن في مسألة العبادة لا يرد إلا قصر العبادة على الله عز وجل.
ومن ذلك ما يتعلق بذرائع العبادة ووسائل العبادة، مثل التبرك والتوسل والتعظيم، واتخاذ المساجد ونحو ذلك، فكل ذلك لا يجوز في حق الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مما يتجاوز الحد المشروع، والمساجد لا تكون إلا لله عز وجل، والتقديس لا يكون إلا لله، والعبادة لا تكون إلا لله.
فالشيخ يطول استطراده إلى ذكر القبور والمساجد؛ لأن أهل البدع جعلوا من قبر النبي صلى الله عليه وسلم معبداً يدعونه من دون الله، ويستقبلونه من دون القبلة، ونحو ذلك مما يفعلونه، وكل ذلك مما تجاوزوا به الحد المشروع.