[تضعيف حديث توسل آدم بمحمد صلى الله عليه وسلم وما يشبهه من الحكايات]
قال رحمه الله تعالى:[وهذا الحديث المذكور في آدم يذكره طائفة من المصنفين بغير إسناد وما هو من جنسه مع زيادات أخر، كما ذكر القاضي عياض قال: وحكى أبو محمد المكي وأبو الليث السمرقندي وغيرهما: أن آدم عند معصيته قال: اللهم بحق محمد اغفر لي خطيئتي، قال: ويروى: تقبل توبتي، فقال الله له: من أين عرفت محمداً؟ قال: رأيت في كل موضع من الجنة مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
قال: ويروى: محمد عبدي ورسولي، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك، فتاب عليه وغفر له.
ومثل هذا لا يجوز أن تُبنى عليه الشريعة ولا يحتج به في الدين باتفاق المسلمين، فإن هذا من جنس الإسرائيليات ونحوها التي لا يعلم صحتها إلا بنقل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه لو نقلها مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وأمثالهما ممن ينقل أخبار المبتدأ].
يعني مبتدأ الخلق.
[وقصص المتقدمين عن أهل الكتاب لم يجز أن يُحتج بها في دين المسلمين باتفاق المسلمين، فكيف إذا نقلها من لا ينقلها لا عن أهل الكتاب ولا عن ثقات علماء المسلمين، بل إنما ينقلها عمن هو عند المسلمين مجروح ضعيف لا يُحتج بحديثه، واضطرب عليه فيها اضطراباً يُعرف به أنه لم يحفظ ذلك، ولا ينقل ذلك ولا ما يشبهه أحد من ثقات علماء المسلمين الذين يُعتمد على نقلهم، وإنما هي من جنس ما ينقله إسحاق بن بشر وأمثاله في كتب المبتدأ، وهذه لو كانت ثابتة عن الأنبياء لكانت شرعاً لهم، وحينئذ فكان الاحتجاج بها مبنياً على أن شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أم لا؟ والنزاع في ذلك مشهور.
لكن الذي عليه الأئمة وأكثر العلماء أنه شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، وهذا إنما هو فيما يثبت أنه شرع لمن قبلنا من نقل ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أو بما تواتر عنهم، لا بما يروى على هذا الوجه، فإن هذا لا يجوز أن يحتج به في شرع المسلمين أحد من المسلمين].
الخلاصة أن هذه الأدلة لا تثبت، وهي من عُمد أهل البدع الذين يتوسلون التوسلات البدعية، والذين ينسجون أيضاً عليها عقائد باطلة فيما يتعلق بقصة آدم، وفيما يتعلق بما رآه وما شاهده من حول النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يعني عدم القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل الخلق، ولا يعني أن الأنبياء عرفوا النبي صلى الله عليه وسلم وأن الإيمان به من أصول دينهم، هذا أمر آخر له أدلته، لكن الذي يُنكره الشيخ هنا الجانب الذي يتعلق بالتوسل البدعي.
أما الجوانب الأخرى فلها أحاديث أخرى تدل عليها، أي ما يتعلق بفضل النبي صلى الله عليه وسلم وأن آدم عرفه وآمن به، وأن الأنبياء كلهم أوصاهم الله عز وجل وأوصى أممهم بأن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهذا له أدلة أخرى، مع أن في بعض جزئياته نزاعاً، لكن ما يتعلق بهذه الحكايات التي يتذرّع بها أهل البدع في الاستدلال على التوسل البدعي لا تثبت على نحو ما ذكر الشيخ، وما سيذكره إن شاء الله.