للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السؤال بالسبب يكون بما يقتضي وجود المسئول]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا سئل المسئول بشيء -والباء للسبب- سئل بسبب يقتضي وجود المسئول، فإذا قال: أسألك بأن لك الحمد أنت الله المنان بديع السموات والأرض، كان كونه محموداً مناناً بديع السموات والأرض يقتضي أن يمن على عبده السائل، وكونه محموداً هو يوجب أن يفعل ما يُحمد عليه، وحمد العبد له سبب إجابة دعائه؛ ولهذا أمر المصلي أن يقول: (سمع الله لمن حمده)، أي: استجاب الله دعاء من حمده، فالسماع هنا بمعنى الإجابة والقبول، كقوله صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع)، أي: لا يستجاب.

ومنه قول الخليل عليه السلام في آخر دعائه: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم:٣٩]، ومنه قوله تعالى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة:٤٧]، وقوله: {وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} [المائدة:٤١]، أي: يقبلون الكذب، ويقبلون من قوم آخرين لم يأتوك؛ ولهذا أمر المصلي أن يدعو بعد حمد الله بعد التشهد المتضمن الثناء على الله سبحانه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن رآه يصلي ويدعو ولم يحمد ربه ولم يصل على نبيه فقال: (عجل هذا، ثم دعاه فقال: إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، وليدع بعد بما شاء)، أخرجه أبو داود والترمذي وصححه.

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله، ثم بالصلاة على نبيه، ثم دعوت لنفسي؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سل تعطه)، رواه الترمذي وحسنه.

فلفظ السمع يراد به إدراك الصوت، ويراد به معرفة المعنى مع ذلك، ويراد به القبول والاستجابة مع الفهم، قال تعالى: ((وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ) ثم قال: ((وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ)) على هذه الحال التي هم عليها لم يقبلوا الحق، ثم {لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:٢٣].

فذمهم بأنهم لا يفهمون القرآن، ولو فهموه لم يعملوا به.

وإذا قال السائل لغيره: أسألك بالله؛ فإنما سأله بإيمانه بالله].

المقصود بالباء هنا باء السببية، يعني: أسأل بالإيمان بالله؛ لأنه لا يتوجه إلا هذا، فلا يقاس عليه غيره أيضاً، ولأن الله عز وجل يسأل به، أي: بالإيمان به، أو بأسمائه وصفاته، كل هذا وارد وجائز، فالباء هنا لا تقاس على الباء في إضافتها للمخلوق، فلا يقال: اللهم إني أسألك برسولك، أو بنبيك، أو بالكعبة، أو بكذا؛ لأن إضافة الباء إلى المخلوق جعلت المخلوق وسيلة غير مشروعة.

لكن السؤال بالله عز وجل يقصد به معاني كلها عظيمة وصحيحة؛ إما السؤال بأسمائه وصفاته، أو باسمه هذا الذي هو: لفظ الجلالة، أو بالإيمان بالله عز وجل، فإن الإيمان بالله من العبادة والعمل الصالح الذي يتوسل به إلى الله كما سيأتي في حقيقة التوسل بالأعمال الصالحة، وأول الأعمال الصالحة وأعظمها الإيمان بالله عز وجل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا قال السائل لغيره: أسألك بالله؛ فإنما سأله بإيمانه بالله، وذلك سبب لإعطاء من سأله به، فإنه سبحانه يحب الإحسان إلى الخلق، لا سيما إن كان المطلوب كفَّ الظلم؛ فإنه يأمر بالعدل وينهى عن الظلم، وأمره أعظم الأسباب في حض الفاعل، فلا سبب أولى من أن يكون مقتضياً لمسببه من أمر الله تعالى].