[الكلام على حديث موسى بن عبد الرحمن في التوسل]
لا يزال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يتكلم عن مسألة استدلال السلف بالضعيف، وقد ذكر أن السلف رحمهم الله لم يستدلوا في تقرير الدين بالأحاديث الضعيفة، وأنهم إنما يأتون بالأحاديث الضعيفة للاعتضاد لا الاعتماد وذلك بشرط ألا تصل إلى حد الوضع والكذب.
وذكر أن عندهم في حشد النصوص والآثار مناهج: منهج يعتمدون فيه جمع النصوص بصرف النظر عن تمحيص الصحيح من غير الصحيح، ويتركون العهدة على الرواة، ويتركون الأسانيد لطلاب العلم ليمحّصوا الصحيح من غير الصحيح، وهذا كثير في كتب السنن والمصنفات.
وهناك كتب جاءت لتقديم الأحاديث الصحيحة واعتمدت ذلك مثل الكتب الصحيحة، هناك كتب اعتمدت على ما يرى أصحابها أنه يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولو بطرق حسنة أو ضعيفة، لكنهم لا يدرجون في كتبهم ما يسمى بالموضوع أو المكذوب، وقد يكون بعض الأحاديث موضوعاً عند شخص وليس بموضوع عند آخر، ويفرّقون بين الجمع والاستدلال، فإنهم إذا استدلوا لا يستدلون إلا بالصحيح، أما إذا جمعوا فإنهم يجمعون ما يرد لهم من الأسانيد، وقد لا يستبعد الواحد منهم إلا ما ثبت عنده أنه موضوع وكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما عدا هذا -فكما ذكرت- أن هناك طوائف من السلف يجمعون الآثار ويتركون تمحيص الصحيح من غير الصحيح لمن يأتي بعدهم، أو لمن يشتغل بهذا الأمر.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ومن هذا الباب حديث ذكره موسى بن عبد الرحمن الصنعاني صاحب التفسير بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً أنه قال: (من سره أن يوعيه الله حفظ القرآن وحفظ أصناف العلم، فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف، أو في صحف قوارير بعسل وزعفران وماء مطر، وليشربه على الريق، وليصم ثلاثة أيام، وليكن إفطاره عليه، ويدعو به في أدبار صلواته: اللهم إني أسألك بأنك مسئول لم يسأل مثلك ولا يسأل، وأسألك بحق محمد نبيك، وإبراهيم خليلك، وموسى نجيك، وعيسى روحك وكلمتك ووجيهك) وذكر تمام الدعاء.
وموسى بن عبد الرحمن هذا من الكذابين.
قال أبو أحمد بن عدي فيه: منكر الحديث.
وقال أبو حاتم بن حبان: دجال يضع الحديث، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتاباً في التفسير جمعه من كلام الكلبي ومقاتل.
ويروى نحو هذا دون الصوم عن ابن مسعود من طريق موسى بن إبراهيم المروزي حدثنا وكيع عن عبيدة عن شقيق عن ابن مسعود.
وموسى بن إبراهيم هذا قال فيه يحيى بن معين: كذاب.
وقال الدارقطني: متروك.
وقال ابن حبان: كان مغفلاً يلقن فيتلقن فاستحق الترك.
ويروى هذا عن عمر بن عبد العزيز عن مجاهد بن جبر عن ابن مسعود بطريق أضعف من الأول.
ورواه أبو الشيخ الأصبهاني من حديث أحمد بن إسحاق الجوهري: حدثنا أبو الأشعث، حدثنا زهير بن العلاء العتبي حدثنا يوسف بن يزيد عن الزهري، ورفع الحديث قال: (من سره أن يحفظ فليصم سبعة أيام، وليكن إفطاره في آخر هذه الأيام السبعة على هؤلاء الكلمات).
قلت: وهذه أسانيد مظلمة لا يثبت بها شيء].
مع ضعف الأسانيد يلاحظ أيضاً نكارة المتون، ففي المتون معان ومطالبات ومتطلبات لا تستاغ، وليس عليها نور النبوة ولا الحكمة أيضاً، فليست من جنس كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا من جنس كلام الصحابة؛ لأن فيها خلطاً بين التكهنات والتخرصات، وبين تعليق الأمور على ما لا تعلق به الأمور مثل الاتكال على غير الله عز وجل فهذه المعاني يدرك بعدها ونشازها بمجرد النظر العقلي، فضلاً عن أن تكون من الحكم أو من المعاني التي يؤبه بها.