[حكم السؤال بحق الأنبياء]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [وأما سؤال الله بأسمائه وصفاته التي تقتضي ما يفعله بالعباد من الهدى والرزق والنصر، فهذا أعظم ما يسأل الله تعالى به.
فقول المنازع: لا يُسأل بحق الأنبياء، فإنه لا حق للمخلوق على الخالق ممنوع.
فإنه قد ثبت في الصحيحين حديث معاذ الذي تقدم إيراده، وقال تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:٥٤]، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:٤٧].
فيقال للمنازع: الكلام في هذا في مقامين: أحدهما: في حق العباد على الله.
والثاني: في سؤاله بذلك الحق.
أما الأول: فلا ريب أن الله تعالى وعد المطيعين بأن يثيبهم، ووعد السائلين بأن يجيبهم، وهو الصادق الذي لا يخلف الميعاد، قال الله تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:١٢٢]، {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:٦]، {فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} [إبراهيم:٤٧].
فهذا مما يجب وقوعه بحكم الوعد باتفاق المسلمين.
وتنازعوا: هل عليه واجب بدون ذلك؟ على ثلاثة أقوال كما تقدم.
قيل: لا يجب لأحد عليه حق بدون ذلك.
وقيل: بل يجب عليه واجبات ويحرم عليه محرمات بالقياس على عباده.
وقيل: هو أوجب على نفسه وحرّم على نفسه، فيجب عليه ما أوجبه على نفسه، ويحرم عليه ما حرمه على نفسه كما ثبت في الصحيح من حديث أبي ذر رضي الله عنه كما تقدم].
فيما يتعلق بالأقوال الثلاثة فإن من القول الأول فرع عن القول الثالث، فالقول الأول مجمل والثالث مفصّل، فالقول الأول فيه نقص، وهو قوله: قيل: لا يجب لأحد عليه -أي: على الله عز وجل- حق بدون ذلك، أي بدون ما أوجبه الله على نفسه، وهذا هو الصحيح، لكن التفصيل الذي جاء في القول الثالث أبين وأوضح، وهو قول جمهور السلف.
أما القول الثاني وهو قول المعتزلة، وقد أنكر عليهم السلف القول بإيجاب شيء على الله عز وجل هذا أمر.
الأمر الآخر: أن كلمة الوجوب هنا لا تعني وجوب التكليف؛ لأن الله عز وجل لا مكره له، وهو سبحانه الحي القيوم القائم على شئون عباده، بيده مقاليد السماوات والأرض ليس لأحد عليه أمر، فهو الآمر الناهي، وهو المشرّع، وهو سبحانه المكلّف لعباده، لكن تساهل بعض الناس فأطلقوا على ما يلزم في حق الله عز وجل عبارة الوجوب، بمعنى أن ما ألزم الله به نفسه أو ما كان من سنن الله عز وجل التي لا تتبدل، أو ما قرر الله عز وجل أنه كائن أو يكون، سواء في ذلك الأمور الكونية والأمور الشرعية، فإن هذا قد يعبر عنه بأنه لازم، يعني بمعنى أنه من سنن الله الكونية والشرعية، وهذا اللزوم أطلق عليه البعض الوجوب، لا وجوب التكليف وإنما هو وجوب اللزوم أو الالتزام، ومع ذلك فإن العبارة لا تليق، لكن قد يلجأ إليها بعض العلماء عند البيان أو عند الرد، أو في مثل هذا التفصيل الذي ذكره الشيخ.
إذاً: فيما يتعلق بالقول الأول والثالث يقصد بالوجوب اللزوم.