للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المعنى الصحيح للاستشفاع والتوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم]

قال رحمه الله تعالى: [ومذهب الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وسائر أهل السنة والجماعة أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الكبائر، وأنه لا يخلد في النار من أهل الإيمان أحد، بل يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال ذرة من إيمان.

لكن هذا الاستسقاء والاستشفاع والتوسل به وبغيره كان يكون في حياته].

كلمة (لكن) هذا كلام مستأنف يرجع إلى ما سبق، فمن بعد استطراد الشيخ في هذه المسألة رجع ليقول: (لكن هذا الاستسقاء) أي الذي سبق ذكره في حديث سابق، (والاستشفاع والتوسل به وبغيره، إنما يكون في حياته)، كما حدث من الصحابة، فإنهم طلبوا منه أن يدعو الله أن يسقيهم وهو حي، فلما مات طلبوا الاستسقاء من الأحياء؛ مثل العباس ويزيد بن الأسود وغيرهما.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بمعنى أنهم يطلبون منه الدعاء فيدعو لهم، فكان توسلهم بدعائه، والاستشفاع به طلب شفاعته، والشفاعة دعاء].

معنى الشفاعة هنا التوسل بالدعاء؛ لأن المشكلة أن كلمة (توسل) لا تزال موهمة، وأكثر الناس قد يفهم منها التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، أو التوسل به ميتاً كالتوسل به حياً، وهذا خطأ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو للناس وهو حي.

وقد يفهم بعض الناس أن المقصود بالتوسل التبرك، وهذا خطأ، فإن التبرك شيء والتوسل شيء آخر، وإن كان أحدهما يطلق على الآخر، لكن الصحيح أن التبرك غير التوسل، وإن كان من أنواعه، فالتوسل: هو اتخاذ الشيء أو الشخص وسيلة، وهذا لا يجوز حتى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والذين توسلوا به ما جعلوا ذاته بينهم وبين ربهم، إنما توسلوا بدعائه، فطلبوا منه أن يدعو لهم، وطلبوا من الله أن يقبل دعاءهم في حاجتهم، وهذه هي حقيقة التوسل كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً: فكان توسلهم -أي: الصحابة- بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، والاستشفاع به أيضاً ليس بذاته، إنما هو طلب الشفاعة منه، والشفاعة هنا إنما هي الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم لمن طلب ذلك.