للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علاقة الجاه بإجابة الدعاء]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقتضي أيضاً أن من اتبعهم واقتدى بهم فيما سن له الاقتداء بهم فيه كان سعيداً، ومن أطاع أمرهم الذي بلغوه عن الله كان سعيداً، ولكن ليس نفس مجرد قدرهم وجاههم مما يقتضي إجابة دعائه إذا سأل الله بهم حتى يسأل الله بذلك، بل جاههم ينفعه أيضاً إذا اتبعهم وأطاعهم فيما أمروا به عن الله، أو تأسى بهم فيما سنوه للمؤمنين، وينفعه أيضاً إذا دعوا له وشفعوا فيه.

فأما إذا لم يكن منهم دعاء ولا شفاعة، ولا منه سبب يقتضي الإجابة؛ لم يكن مستشفعاً بجاههم ولم يكن سؤاله بجاههم نافعاً له عند الله، بل يكون قد سأل بأمر أجنبي عنه ليس سبباً لنفعه.

ولو قال الرجل لمطاع كبير: أسألك بطاعة فلان لك، وبحبك له على طاعتك، وبجاهه عندك الذي أوجبته طاعته لك؛ لكان قد سأله بأمر أجنبي لا تعلق له به.

فكذلك إحسان الله إلى هؤلاء المقربين، ومحبته لهم، وتعظيمه لأقدارهم مع عبادتهم له وطاعتهم إياه، ليس في ذلك ما يوجب إجابة دعاء من يسأل بهم، وإنما يوجب إجابة دعائه بسبب منه لطاعته لهم، أو سبب منهم لشفاعتهم له، فإذا انتفى هذا وهذا فلا سبب].

لأن هذا فيه عدوان، فكونهم لهم جاه ولهم قدر، والله عز وجل يستجيب دعاءهم، وأنهم أطاعوا الله وعبدوه، فهذا لا يعني إجابة دعاء غيرهم، لأن المسألة منفكة عن الأخرى، كإنسان مثلاً راح يستشفع عند الآخرين بعمل غيره في أمور الدنيا، فإنه يعتبر ممن يتهم في عقله وإدراكه.

فلو أن إنساناً ذهب يستجدي الناس ويطلب منهم العون، ويجعل عمل غيره وسيلة إلى أن ينفعوه؛ لضحك عليه الناس بسبب ذلك؛ لكن لو جاء بصاحب العمل الذي له قدر عند الناس ليشفع له؛ فهذا جائز.

فإذاً: استعمال جاه الآخرين وجعله وسيلة لاستجلاب قبول الدعاء من الله عز وجل عدوان؛ لأن عمل الآخرين وجاههم لا ينفعك إلا إن كانوا أحياء فأنت تستشفع بهم بما يجوز في الشرع، وكذلك يوم القيامة، لهم شفاعة، وجاههم ينفع من يستشفع بهم إذا توافرت الشروط المذكورة.

إذاً: فهذا كله تقرير لما سبق من أن استعمال جاه الآخرين لإجابة الدعاء من عند الله عز وجل فيه نوع عدوان، وفيه تجاوز للحد الشرعي.