للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعاء الأنبياء في حياتهم وبعد موتهم]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن أحداً من الأنبياء والصالحين لم يعبد في حياته بحضرته، فإنه ينهى من يفعل ذلك بخلاف دعائهم بعد موتهم فإن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم، وكذلك دعاؤهم في مغيبهم هو ذريعة إلى الشرك].

هذه أيضاً فائدة عظيمة قد لا يتفطن لها كثير من الناس، وبخاصة الذين ابتلوا بمثل هذه البدع وهي: أنه لم يثبت ولن يثبت أن أحداً من الأنبياء أو الصالحين الذين تعلق بهم هؤلاء القوم عبد في حياته بحضرته، لكن هناك ممن يسمون صالحين ليسوا بصالحين، أما أهل الصلاح والاستقامة الذين تعلق بهم أهل البدع مثل عبد القادر الجيلاني فلا يعرف عنه أنه رضي أن يدعوه أحد وهو حي أو ميت، فإن الجيلاني رحمه الله عنده بعض الشطحات في مسائل العقيدة لكنه في مسائل العبادة لم تعرف عنه زلة، بل يعتبر من الأئمة الكبار الذين لهم في تحصين الأمة في عقيدتها وفي جوانب العبادة جهود كبيرة.

فإذاً: لم يحدث أن أحداً من الأنبياء ولا من الصالحين عبد في حياته ورضي بذلك أو دعا إليه أو أقره، بل العكس هو الصحيح فإنهم نهوا عن هذا العمل وعن مثل هذا العمل، والنبي صلى الله عليه وسلم حذر أمته من أن يتخذ قبره مسجداً؛ لأن ذلك ذريعة للبدعة فكيف بالبدعة نفسها مثل التمسح بقبره، ومثل الدعاء غير المشروع عنده والتوجه إليه من دون القبلة، والطواف به.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن رأى نبياً أو ملكاً من الملائكة وقال له: ادع لي لم يفض ذلك إلى الشرك به، بخلاف من دعاه في مغيبه، فإن ذلك يفضي إلى الشرك به كما قد وقع، فإن الغائب والميت لا ينهى من يشرك، بل إذا تعلقت القلوب بدعائه وشفاعته أفضى ذلك إلى الشرك به فدعي وقصد مكان قبره أو تمثاله أو غير ذلك، كما قد وقع فيه المشركون ومن ضاهاهم من أهل الكتاب ومبتدعة المسلمين.

ومعلوم أن الملائكة تدعو للمؤمنين وتستغفر لهم كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:٧ - ٩]، وقال تعالى: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الشورى:٥ - ٦]، فالملائكة يستغفرون للمؤمنين من غير أن يسألهم أحد، وكذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء والصالحين يدعو ويشفع للأخيار من أمته هو من هذا الجنس، هم يفعلون ما أذن الله لهم فيه بدون سؤال أحد].

هذا المقطع نقف عنده، فالشاهد من هذا الكلام أن هذه الأمور التي ذكرت قد ورد في الشرع أنها مشروعة، مثل الاستغفار للمؤمنين، سواء من بعضهم لبعض، أو من النبي صلى الله عليه وسلم لهم أو من الملائكة، وليس هذا ذريعة إلى دعاء من لا يقدرون أو دعاء من لا يجيبون أو دعاء من لا يشرع دعاؤهم من دون الله عز وجل، لكن ما زاد عن ذلك من دعاء الأموات أو طلب الدعاء ممن لا يقدرون أو طلب الدعاء مما لا يشرع طلب الدعاء منه يحتاج إلى دليل، ولا دليل عليه، بل الدليل على عكسه.