للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية تسليم السلف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته والرد على المبتدعة في ذلك]

قال رحمه الله تعالى: [وقال نافع: كان ابن عمر يسلم على القبر، رأيته مائة مرة أو أكثر يجيء إلى القبر فيقول: السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، السلام على أبي بكر، السلام على أبي، ثم ينصرف.

ورئي واضعاً يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه.

قال: وعن ابن أبي قسيط والقعنبي، كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا خلا المسجد جسوا برمانة المنبر التي تلي القبر بميامنهم، ثم استقبلوا القبلة يدعون.

قال: وفي الموطأ من رواية يحيى بن يحيى الليثي أنه -يعني ابن عمر - كان يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر.

وعند ابن القاسم والقعنبي: ويدعو لـ أبي بكر وعمر.

قال مالك في رواية ابن وهب: يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

وقال في المبسوط: ويسلم على أبي بكر وعمر.

قال أبو الوليد الباجي: وعندي أن يدعو للنبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الصلاة، ولـ أبي بكر وعمر بلفظ السلام؛ لما في حديث ابن عمر من الخلاف.

وهذا الدعاء يفسر الدعاء المذكور في رواية ابن وهب، قال مالك في رواية ابن وهب: إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا، يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة، ويدنو ويسلم ولا يمس القبر.

فهذا هو السلام عليه والدعاء له بالصلاة عليه كما تقدم تفسيره، وكذلك كل دعاء ذكره أصحابه كما ذكر ابن حبيب في الواضحة وغيره، قال: وقال مالك في المبسوط: وليس يلزم من دخل المسجد وخرج من أهل المدينة الوقوف بالقبر، وإنما ذلك للغرباء، وقال فيه أيضاً: ولا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إلى سفر، أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه، ويدعو له ولـ أبي بكر وعمر.

قيل له: فإن ناساً من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه، يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر، وربما وقفوا في الجمعة أو الأيام المرة والمرتين أو أكثر عند القبر، فيسلّمون ويدعون ساعة، فقال مالك: لم يبلغني هذا عن أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع، ولا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويُكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده].

وفي هذا رد على كثير من أهل البدع الذين يزعمون أن السلف تركوا الناس على اجتهاداتهم، وأن في التوسل البدعي سعة، وأن هناك من يفعل هذه الأمور والسلف يسكتون عنه، وإن لم يفعلوا فإنهم لم ينكروا، ففي مثل هذا الكلام رد عليهم، فإن الإمام مالكاً رحمه الله نبّه على مثل هذه الظواهر التي فيها مبالغة أو فيها توسلات بدعية أو فيها فعل ما لم يُشرع، فإنه لم يسكت، وبيّن أن هذا لم يكن من عمل فقهاء البلد، ولذلك حذّر وقال: لا يصلح هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.