قال رحمه الله تعالى:[وأما السؤال به من غير إقسام به فهذا أيضاً مما منع منه غير واحد من العلماء، والسنن الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين تدل على ذلك.
فإن هذا إنما يفعله من يفعله على أنه قربة وطاعة، وأنه مما يستجاب به الدعاء].
يقصد أن الذين يفعلون هذه الممنوعات من الحلف بغير الله، الإقسام على الله بخلقه أو التوسل بالأنبياء والصالحين بذواتهم أو نحو ذلك كل هذا يُفعل من الذين يفعلونه على وجه التعبّد، ولو كانت المسألة من الأمور العادية لكان الأمر أسهل، لكنهم يفعلون ذلك تعبداً لله وتقرباً إليه.
فمن هنا يريد الشيخ أن يجر الخصوم إلى الأصل، وهو أن التعبد الأصل فيه الشرع، فيقول: ما دمتم تتعبدون بهذه الألفاظ وترون أنها من أمور القربة والطاعة، فلا بد أن تُرجع إلى أصلها، وهو أن القربة لا بد أن يكون لها أصل في الدين، ليست من قبيل العادات؛ لأنها لو كانت عادات ما تقربتم بها وجعلتموها من أصول القربات والتعبد لله عز وجل، فما دام أنكم تتعبدون إذاً نعيد هذه الألفاظ والتوسلات إلى القواعد الشرعية، فإذا كان لها أصل في الشرع نتعبد بها، وإن لم يكن لها أصل في الشرع فتكون بدعة مردودة.
قال رحمه الله تعالى:[وما كان من هذا النوع فإما أن يكون واجباً وإما أن يكون مستحباً، وكل ما كان واجباً أو مستحباً في العبادات والأدعية فلا بد أن يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، فإذا لم يشرع هذا لأمته لم يكن واجباً ولا مستحباً ولا يكون قربة وطاعة ولا سبباً لإجابة الدعاء، وقد تقدم بسط الكلام على هذا كله.
فمن اعتقد ذلك في هذا أو في هذا فهو ضال].
قوله:(في هذا أو في هذا)، يقصد السؤال بالمخلوقين والإقسام على الله بهم، ويدخل في ذلك بالتبع الحلف بالمخلوق.
قال رحمه الله تعالى:[فمن اعتقد ذلك في هذا أو في هذا فهو ضال وكانت بدعته من البدع السيئة، وقد تبين بالأحاديث الصحيحة وما استقرئ من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أن هذا لم يكن مشروعاً عندهم.
وأيضاً فقد تبيّن أنه سؤال لله تعالى بسبب لا يناسب إجابة الدعاء، وأنه كالسؤال بالكعبة والطور والكرسي والمساجد وغير ذلك من المخلوقات، ومعلوم أن سؤال الله بالمخلوقات ليس هو مشروعاً، كما أن الإقسام بها ليس مشروعاً بل هو منهي عنه، فكما أنه لا يسوغ لأحد أن يحلف بمخلوق فلا يحلف على الله بمخلوق ولا يسأله بنفس مخلوق، وإنما يسأل بالأسباب التي تناسب إجابة الدعاء كما تقدم تفصيله].